اسطنبول — يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مراحل مبادرة للوساطة بين تركيا والوحدات الكردية في مسعى لوقف العملية العسكرية التي بدأها الجيش التركي قبل أيام تحت اسم “نبع السلام” في شرق نهر الفرات شمالي سوريا، وسط رفض تركي مطلق حتى الآن.
وعلى الرغم من الرفض التركي المعلن حتى الآن لأي مفاوضات يمكن أن تجري مع الوحدات الكردية التي تعتبرها “تنظيماً إرهابياً لا يمكن التفاوض معه”، لا يمكن استبعاد هذا الخيار بشكل مطلق، لا سيما إذا كان يلبي المطالب التركية المرحلية ويحقق أهداف المرحلة الأولى من العملية بدون قتال.
وبعد يومين فقط من إطلاق الجيش التركي عملية “نبع السلام”، قال ترامب إن أمامه ثلاثة خيارات من أجل التعامل مع تركيا في ملف شمالي سوريا، لافتاً إلى أنها تتمثل في “الوساطة بين تركيا والوحدات الكردية، أو توجيه ضربة قاصمة للاقتصاد التركي، أو إرسال آلاف الجنود إلى شمال سوريا”، لكنه عبر أن أمله في أن يتمكن من التوسط بين الجانبين.
لكن الرد التركي الأول جاء بشكل غير مباشر على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي شدد على أن بلاده لن توقف هجومهاعلى الرغم من “التصريحات والتنديدات والتهديدات”، مؤكداً مواصلة العملية حتى تحقيق أهدافها، وأن بلاده قررت حل مشاكلها بنفسها، على حد تعبيره.
ورداً على التهديدات وعرض الوساطة الأمريكي، قال حامي أقصوي المتحدث باسم الخارجية التركية إن “تركيا تحارب تنظيمات إرهابية تشكل تهديداً على أمنها القومي، وهذا الكفاح سيستمر بحزم، ولا ينبغي لأحد أن يشك في أننا سنرد بالمثل على أي خطوة تتخذ ضد بلادنا في إطار المعاملة بالمثل”.
وفي السياق ذاته، وبشكل أوضح، شدد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على أن بلاده “ترفض التفاوض مع “إرهابيي ب ي د/بي كا كا”، وقال: “نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين، والشيء الوحيد الذي ينبغي فعله هو إلقاء الإرهابيين للسلاح”.
وعن التهديدات في حال عدم قبول التفاوض، قال: “لو كنا نخشى العقوبات الاقتصادية لما أطلقنا هذه العملية”، وأضاف: “قبل كل شيء رأينا سابقاً أنه لا يمكن التوصل إلى نتيجة عبر فرض العقوبات.. تركيا سترد بمبدأ المعاملة بالمثل تجاه أي إجراء سلبي تجاهها”.
ومجدداً، عاود ترامب، الأحد، طرح عرضه بالوساطة بشكل أوضح، حيث حمل في طياته ترغيباً كبيراً لتركيا بتحقيق أهدافها من العملية من خلال التفاوض، وتهديداً للوحدات الكردية بأن رفضها للعرض الأمريكي يعني مزيداً من التغاضي الأمريكي عن الهجوم التركي.
وقال ترامب إن الوحدات الكردية غير قادرة على صد القوات التركية، موضحاً: “آمل أن ينسحبوا، إذا لم يكن لديكم طائرات فمن الصعب جداً التغلب على قوة تمتلك طائرات (في إشارة إلى القوات التركية)”، لافتاً إلى أن الوحدات الكردية تميل إلى الانسحاب من الحدود التركية السورية بعمق 30 كم”، وهي المسافة التي طالبت فيها تركيا خلال مفاوضات المنطقة الآمنة التي استمرت لأشهر مع واشنطن، ولم تصل إلى نتيجة بسبب رفض الوحدات الكردية الانسحاب بهذا العمق.
وذكر ترامب الوحدات الكردية في سوريا بأن رفضه الدفاع عن الأكراد في العراق أدى لانسحابهم من مدينة كركوك قبيل عام ونصف دون قتال، لافتاً إلى أن عرضه الانسحاب بعمق 30 كيلومتراً “أمر جيد”، مشيراً إلى أن بلاده لن تبقى في سوريا لحماية الأكراد أو الحدود التركية.
وبحسب ما أعلنه أردوغان والمسؤولون الأتراك طوال الأشهر الماضية، فإن هدف أنقرة المرحلي هو منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً تمتد من أول شرق نهر الفرات وحتى الحدود مع العراق بطول 480 كيلومتراً، لكن الوحدات الكردية وافقت على عمق 5 كيلومترات فقط.
ويبدو أن ترامب هدف من التساهل مع تركيا في بدء العملية في منطقة محدودة -المنطقة الممتدة ما بين تل أبيض ورأس العين بطول 120 كيلومتراً- إلى الضغط على الوحدات الكردية للقبول بالمطالب التركية والانسحاب بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود، حيث أعلنت قوات سوريا الديمقراطية قبولها بالمقترح الأمريكي للتوسط مع تركيا.
لكن تبقى المعضلة الأهم في إمكانية التجاوب التركي مع الطرح الأمريكي هي انعدام الثقة بين الجانبين، حيث تتهم تركيا واشنطن بعدم الالتزام بأي تفاهمات واتفاقيات سابقة جرى التوصل إليها حول منبج وشرق الفرات، وتقول إن واشنطن تتبع سياسة “المماطلة” وتخشى تكرار سيناريو اتفاقي منبج والمنطقة الآمنة.
لكن في المقابل، يبقى أي عرض أمريكي بسحب الوحدات الكردية من منطقة بطول 480 كيلومتراً وعرض 30 كيلومتراً وبضمانات للتنفيذ المباشر ومنح السيطرة الأمنية على هذه المنطقة بشكل كامل لتركيا، مقترحاً يمكن نقاشه في أنقرة طالما أنه يمكن أن يحقق المطالب التركية بدون خوض معارك عسكرية كبيرة وإطالة أمد المعركة وما سيرافقها من زيادة الضغوط الدولية والعقوبات الأوروبية وتجنب تصاعد الخلافات مع واشنطن.