اسماعيل كايا / اسطنبول
عقب التطورات المتلاحقة في شرق الفرات شمالي سوريا واتمام الجيش التركي سيطرته على تل أبيض ورأس العين، وبدأ الولايات المتحدة سحب قواتها من مناطق سوريةجديدة، احتدم التزاحم بين تركيا والنظام السوري للسيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس غرب نهر الفرات وحتى مناطق السيطرة الجديدة للجيش التركي شرقي النهر.
وفور إعلان وزير الدفاع الأمريكي، مساء الأحد، أن الرئيس دونالد ترامب قرر سحب معظم القوات الأمريكية المتبقية في سوريا، أعلنت مصادر في النظام السوري ووحدات حماية الشعب الكردية عن التوصل لاتفاق يسمح للنظام بالانتشار في مناطق سيطرة الوحدات الكردية لـ “التصدي للهجوم التركي”، وصدر تصريحات مختلفة للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية تعلن قرب دخول النظام للانتشار في منبج وعين العرب.
ولاحقاً نشرت وسائل إعلام النظام السوريأخباراً مختلفة حول بدء دخول “قوات الجيش العربي السوري إلى منبج”، ونشر التلفزيون الرسمي مقاطع فيديو لما قال إنها قوات رسمية تدخل إلى مناطق في منبج، وهي معلومات لم يتم تأكيدها من مصدر مستقل.
الجهات التركية تقدر حتى الآن أن ما يجري هو “عملية استعراضية” ولا يوجد حتى الآن أي تقدم حقيقي وفعلي للنظام السوري إلى أي من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال وشرق البلاد، حيث أظهرت الصور عددا قليلا من المسلحين بلباس جيش النظام السوري تجمعوا مع عدد من المدنيين لتصوير مشاهد لهم في عدة مناطق، ولم تظهر أي مشاهد حشود حقيقية لقوات النظام تدخل أياً من تلك المناطق.
كما أن المصادر التركية التي اكدت انسحاب القوات الأمريكية بالفعل من عين العرب، لم تؤكد حتى الآن انسحاب القوات الأمريكية من منبج، وسط تقديرات بان القوات الأمريكية لم تتساهل بعد مع إمكانية تقدم النظام إلى منبج، والأنباء عن مهاجمة طائرات التحالف الدولي لموكب عسكري تابع للنظام السوري حاول التقدم في إحدى المناطق شمال شرقي سوريا في ساعة متأخرة من مساء الأحد.
أول تعليق رسمي تركي جاء على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان الذي لم يتحدث بشكل قاطع ولكنه أعطى إشارات إلى أن بلاده ترفض دخول النظام إلى هذه المناطق، وقال رداً على سؤال حول اتفاق النظام والوحدات الكردية: “هناك الكثير من الشائعات، ويبدو أنه لن تحدث مشكلة في عين العرب”.
وأضاف: “حتى الآن يبدو أنه لن يكون هنالك أية مشكلة مع السياسة الإيجابية لروسيا في عين العرب، أما بالنسبة لمنبج فنحن في مرحلة التنفيذ كما قررنا”، ورغم أنه لم يوضح ماذا يقصد بـ “مرحلة التنفيذ”، أشار إلى أنه “عند إخلاء مدينة منبج سيدخلها العرب، أصحابها الحقيقيون، من العشائر الذين التقينا بهم، وسيكون دورنا تأمين عودتهم وضمان أمنهم”، كما لفت إلى وجود مشاورات متواصلة مع الأمريكيين والروس، تجريها الاستخبارات ووزارة الدفاع التركية.
من جهته، أكد ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الاثنين، أن اتصالا وثيقا يجري بين روسيا وتركيا حول التطورات في شمال سوريا، ولدى سؤاله عما إذا كان هناك خطر لحدوث صدام بين القوات الروسية والتركية في سوريا، قال بيسكوف “لا نريد حتى التفكير في ذلك. مشيراً إلى وجود تواصل بين الجيشين “لمنع أي حوادث”، ورفض التعليق على إعلان النظام التقدم شمالاً.
عسكرياً على الأرض، زج الجيش التركي وقوات المعارضة السورية طوال ليلة الأحد الاثنين بتعزيزات عسكرية هائلة إلى خطوط التماس مع منبج وعين العرب، وجرى إدخال أعداد كبيرة من الدبابات وناقلات الجنود والعربات المصفحة بالإضافة إلى جسور عائمة جديدة إلى جرابلس يمكن أن تستخدم في عبور من غرب الفرات إلى عين العرب، أو إلى مناطق أخرى في منبج.
ونشرت فصائل سورية معارضة مختلفة العديد من مقاطع الفيديو التي أظهرت انتقالهم من مناطق سورية وتركية مختلفة إلى خطوط التماس الأمامية مع منبج وعين العرب، وتأكيدهم تلقيهم تعليمات من الجانب التركي بأن التقدم نحو منبج ربما يبدأ “في الساعات المقبلة”.
عسكرياً واستراتيجياً، يبدو أن تركيا لن تسمح على الإطلاق في هذه المرحلة بوصول النظام إلى عين العرب أي إلى نقطة صفر من الحدود التركية، وقطع مناطق سيطرة الجيش التركي غربي نهر الفرات بمناطق سيطرتها الجديدة في تل أبيض ورأس العين، وهو ما يعني عملياً إفراغ التحرك التركي الأخير من مضمونه وقيمته الاستراتيجية.
ولكن فيما يتعلق بمنبج، تبدو الأمور أصعب، حيث يتوقع أن تواجه تركيا معارضة شديدة من روسيا التي ستدفع باتجاه تقدم قوات النظام السوري، على أن يحسم مصيرها إما بالتدافع العسكري عقب تأكد انسحاب القوات الأمريكية، أو بتفاهمات روسية تركية جديدة يمكن أن تشمل الاتفاق على نقاط الانتشار في كافة مناطق شمال وشرق سوريا عقب إتمام انسحاب القوات الأمريكية، على أن يتم رسم خطوط اشتباك جديدة تمنع حصول أي اشتباك عسكري بين تركيا والنظام أو حتى روسيا في المنطقة.
وتشير تكهنات إلى احتمال أن يكون الخط الدوليM4 هو خط الاشتباك الجديد في المنطقة، بحيث يسيطر الجيش التركي على الشريط الحدودي شرق الفرات بطول 480 كيلومتر أو أقل وبمتوسط تعمق 30 كيلومتر، على أن لا تحاول تركيا التقدم أكثر في العمق السوري لجنوب منبج أو وسط الرقة وأطراف دير الزور.