وائل عصام / انطاكيا
يبدو أن العملية العسكرية التي شنتها تركيا شمال سوريا، والتي أطلقت عليها “نبع السلام”، ستقود إلى تقارب دبلوماسي بين أنقرة ودمشق، من بوابة الملف الكردي وبرعاية ودفع من روسيا.
وبينما يلتقي بوتين وأردوغان في موسكو، يصرح الكرملين بأن “الدولة السورية هي الوحيدة المخولة بالسماح بالتواجد التركي على أراضيها وليس الجيش الروسي”، وتضيف الخارجية الروسية تصريحا أشد نبرة، بالضد من التدخل التركي: “التدخل التركي ينتهك وحدة الأراضي السورية وسيادتها”.
يأتي هذا الموقف الروسي المعارض للتدخل التركي، ليضاف إلى الموقف الغربي والأمريكي المعارض للعملية، وقبيل ساعات من انتهاء المهلة التركية للجانب الأمريكي لسحب المسلحين الأكراد، لتنفيذ اتفاق واشنطن أنقرة، والذي يبدو أنه مجرد حلقة جديدة في سلسة قديمة من الوعود والمماطلات الأمريكية مع الجانب التركي.
وبينما يواصل جيش النظام انتشاره قرب الحدود السورية التركية بتنسيق مع قسد، تجمدت العملية التركية حول بلدتي تل أبيض ورأس العين، ومع هذا التمركز الجديد لقوات النظام في منبج وكوباني وتل تمر والخط السريع m4، لم يعد ممكنا للجانب التركي التوسع في مناطق كبيرة أو بلدات مركزية جديدة بعد دخول النظام والروس لها، وفي حال عاودت تركيا الهجوم بعد انتهاء المهلة، فسيكون فضاء التقدم البري كحدود ببضعة قرى مجاورة للحدود، لا أكثر.
بعد صدور مواقف رافضة للعملية، من أوروبا بعد أمريكا، ومن طهران بعد الجامعة العربية، لا يبدو أن أمام أنقرة خيارات كثيرة، سوى التنسيق مع موسكو، حليفها الأخير في سوريا
وبعد صدور مواقف رافضة للعملية، من أوروبا بعد أمريكا، ومن طهران بعد الجامعة العربية، لا يبدو أن أمام أنقرة خيارات كثيرة، سوى التنسيق مع موسكو، حليفها الأخير في سوريا، للتحرك بموجب التنسيق المشترك، الذي يضمن مصالح الطرفين، بالتوازي: موسكو تريد عودة النظام السوري للشمال، كما طهران التي لا ترغب بتزايد النفوذ التركي في أراضي حلفائها وهلالها “الشيعي”، وتركيا تريد الحد من النفوذ الكردي في جنوب حدودها مع سوريا، لما يحمله ذلك من خطر استنهاض الشعور القومي لدى أكراد تركيا.
لا يبدو أن هناك صيغة أقرب للتحقق شمال سوريا من تقديم الجانب الروسي تطمينات للجانب التركي بأن عودة سلطة النظام السوري، لمناطق قسد الكردية، هي أفضل الخيارات لأنقرة، حيث سيتم دمج السلاح الكردي ضمن القوات النظامية الرسمية لدمشق.
وبالرغم من أن المؤسسات المدنية لقسد وبعض وجوه إدارتها الذاتية قد تستمر بالتواجد تحت خيمة دمشق، إلا أن أنقرة لا تملك أفضل من هكذا خيار، في ظل رفض جميع الأطراف لاستمرار عملياتها العسكرية، بما فيها القوى صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا، طهران وموسكو، لذلك، فأن أنقرة قد تذهب في المسار الروسي، الذي سيقودها لدمشق بالنهاية، فالخارجية الروسية عاودت التأكيد خلال زيارة أردوغان لموسكو أن “اتفاق أضنة” بين تركيا والنظام السوري هو الصيغة المثلى لحل أزمة شمال سوريا، مع بعض التعديلات عليه، وهو ما يعني احتمالية حدوث لقاءات وجه لوجه بين الجانبين النظامي السوري والتركي، بخصوص الملف الكردي، لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية، ولن يكون هذا التطور مفاجئا تماما، إذا علمنا أن مسؤولين أتراكا صرحوا لرويترز بأن اتصالات سرية جرت بين أنقرة ودمشق، لمنع تصادم قواتهما شمال سوريا.