وضع المغرب الاتحاد الأوروبي، أمام “اختبار حقيقي” لاستمرار شراكته مع المملكة، حينما شدّد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة في لقاء جمعه أمس الإثنين، بالرباط، مع المفوض الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أوليفر فارهيلي، على أن الشراكة الاستراتيجية “لا تُثبت بالأقوال بل بالأفعال”. واعتبر بوريطة أنه ينبغي للاتحاد الأوروبي “تثبيت الشراكة مع المغرب والدفاع عنها ضد الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي”، مبرزا أن “المغرب ينتظر من الاتحاد الأوروبي كيف سيتعامل مع هذه الاستفزازات، من خلال التدابير والسياسات التي سيتخذها للتعامل مع هذا الواقع”.
وسجل وزير الخارجية المغربي على أن هناك “إجراءات عملية تعاكس فعليا التزام الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع المغرب” الذي ينتظر اقتراحات وإجراءات عملية للجواب عن التساؤلات والتحديات التي تواجهها هذه الشراكة”.
هذا التصريح الذي اعتبر “نديا” من شأنه إعطاء دفعة جديدة لتطور آليات القرار في الاتحاد الأوروبي من منطلق أن “المغرب يسعى حاليا لتثبيث مبدأ وضع ملف الوحدة الترابية للمملكة هو المنظار الذي يقيس به صدق شراكاته”، حسب تاج الدين الحسيني، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية.
وكان المفوض الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أوليفر فارهيلي، قد اختار المغرب كوجهة أخيرة قبل مغادرته منصبه، في زيارة هي الرابعة من نوعها خلال ولايته، بيد أنها اصطدمت بخطاب “حاد” من طرف وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الذي أكد فيه أن التزام المملكة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي لا يعني القبول بأي ابتزاز سياسي أو قانوني، ذلك أن الشراكة – وفق وزيرالخارجية المغربي – تتطلب الدفاع عنها أمام أي ضغوط خارجية، وعلى الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات ملموسة تظهر التزامه الفعلي بشراكته مع الملكة المغربية”.
تصريح بوريطة، اعتبره تاج الدين الحسيني “شديدة الوضوح”، على اعتبار أن هناك تباين في السرعة بين المواقف الأحادية لمعظم دول الاتحاد الأوروبي إزاء ملف الصحراء، وسلوك الأجهزة التنفيذية للاتحاد في تعاملها مع هيئات أخرى، على غرار محكمة العدل الأوروبية، موردا أن “الجميع يصب في اتجاه واحد، وهو شخصية معنوية للاتحاد الأوروبي، سواء تعلق الأمر بالبرلمان الأوروبي أو محكمة العدل الأوروبية، أو بالجهاز التنفيذي الذي يتخذ القرارات التنفيذية”.
الحسيني، أكد أن المغرب لاحظ وجود تباطؤ في مواكبة المواقف الإيجابية والمتطورة التي عبرت عنها عدة دول أوروبية، خاصة الدول المحورية داخل الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا، مقارنة بما تقوم به المؤسسات الأوروبية، مشيرا إلى أن وزير الخارجية المغربي، كان واضحًا في خطابه عندما شدد لنظيره الأوروبي على ضرورة ربط الأقوال بالأفعال، وليس الاكتفاء بالوعود، سيما وأن الاتحاد الأوروبي التزم بتطوير العلاقات مع المغرب في إطار ما يعرف بـ”الوضع المتقدم”، الذي يمنح المغرب مكانة تتجاوز الشراكة التقليدية دون أن تصل إلى العضوية الكاملة، وبالتالي على الأجهزة التنفيذية للاتحاد مسؤولية متابعة تنفيذ هذه الالتزامات.
وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن ممثل الاتحاد الأوروبي حاول، خلال لقائه ببوريطة، تبرير الوضع الحالي عبر الإشارة إلى وجود التزامات متعددة قطعها الاتحاد على نفسه، مع توجيه خطابه بشكل مباشر إلى المواطنين المغاربة بدلاً من التركيز على الدولة، مما يعكس إشكالية في طبيعة العلاقات بين الطرفين، حيث ركز في حديثه على أن الاتحاد الأوروبي يوفر تمويلات كبيرة لإعادة بناء المنازل المتضررة جراء زلزال الحوز، مع التعهد بدعم هذه الجهود على مدى عدة سنوات.
ورغم أن هذا الخطاب حمل رسالة ضمنية تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى لخدمة المواطنين المغاربة، إلا أن تاج الدين الحسيني يرى أن “هذا النهج قد يثير نقاشًا جديدًا بين الطرفين، لأن الدولة، بصفتها الممثل الرسمي لشعبها، هي المسؤولة عن إدارة مصالحه والقيام بواجباتها الدستورية والدولية”.
وتتجلى الإشكالية الأخرى في العلاقات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمغرب، حسب الحسيني في التناقض أو المفارقات التي تعكس تباين المواقف، حينما تساءل عن كيفية تنكر بعض دول الاتحاد الأوروبي لقرار محكمة العدل الأوروبية، الذي صدر في سياق معروف، وأثار العديد من التساؤلات، خصوصًا أنه صدر دون مشاركة المغرب كطرف في القضية، وهو ما يشير – حسب تاج الدين الحسيني- إلى احتمال ضعف الاتحاد الأوروبي في الدفاع عن مصالحه في إطار الاتفاقيات الموقعة مع المغرب، وهي اتفاقيات ذات طابع سيادي، فيما المغرب، من جهته، قد يعتبر أن الاتحاد الأوروبي لم يولِ هذا الملف الأهمية الكافية، وهو ما أثار قلقًا بشأن التزاماته تجاه الشراكة.
وأضاف الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن ذلك “يعني أن المغرب يؤاخذ الاتحاد الأوروبي بوجود نوع من عدم الاهتمام، وعدم إعطاء أهمية قصوى، لهذا الموضوع في العلاقة بين الطرفين؟ سيما وأنه بالنسبة لحكم المحكمة الأوروبية لابد من الإشارة إلى أن هذه اتفاقية الفلاحة والصيد البحري تفيد ساكنة الإقليم، وأنها تعود بالنفع عليهم بالأساس، وبالتالي فالمغرب ربما يتوفر على حجج أكثر من قطيعة بهذا الخصوص، وهناك افتحاصات حتى دولية تؤكد أن كل درهم، تدره منطقة الصحراء يصرف مثله بسبع مرات كاستثمارات في المنطقة من طرف الحكومة المركزية في المغرب”.
وشدّد الحسيني، على أن هناك أدلة قوية ودامغة تؤكد أن اتخاذ القرارات المتعلقة بتصريف المنتجات وتصديرها من الأقاليم الجنوبية يتم من قبل مواطنين ينتمون إلى هذه المناطق، فرؤساء الجهات والجماعات، والممثلون في البرلمان، وحتى المشاركون في القرارات الحكومية ذات الصلة، جميعهم من أصول صحراوية، وهذا الواقع يبرز تناقضًا واضحًا لم يتم الدفاع عنه بفعالية من قبل الاتحاد الأوروبي أمام المحكمة الأوروبية، مما ترك أثرًا ملحوظًا على المغرب في هذا السياق، مضيفا: “ومع ذلك، يشهد الموقف الأوروبي تحولات إيجابية، حيث أبدت دول مثل فرنسا اعترافًا صريحًا بسيادة المغرب، مؤكدة أن قراراتها المستقبلية ستكون ضمن هذا الإطار، كما أعربت ألمانيا وإسبانيا عن مواقف مماثلة، إلى جانب تأييد نحو 20 دولة من أصل 27 داخل الاتحاد الأوروبي لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ومنطقي لتحقيق تسوية سياسية للنزاع، وبناءً على ذلك، يبدو أن المغرب يسعى إلى تعزيز آليات صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي، بهدف تجاوز الطابع الانفرادي لبعض مواقف الدول الأعضاء، والعمل على صياغة قرارات موحدة تعكس مواقف الاتحاد ككل”.
القراءة الثانية للموقف المغربي حسب الخبير في العلاقات الدولية، تشير إلى أن المغرب يسعى إلى اعتراف رسمي وصريح من الاتحاد الأوروبي بسيادته على الصحراء، انطلاقًا من السياسة الخارجية المشتركة لدول الاتحاد، إذ يعتقد المغرب أن هذه السياسة ينبغي أن تنسجم مع مواقف الدول الأوروبية الكبرى التي أبدت دعمًا واضحًا له، موردا أن هذا هو الرهان الذي يعمل بوريطة على تحقيقه في “إطار العلاقة بين الجانبين”.
وأشار الحسيني إلى أن المغرب اليوم يتمتع بموقع قوة يمنحه أفضلية لتحقيق هذا الهدف، خصوصًا مع اعتراف المندوب الأوروبي بدور المغرب الأساسي والمستقبلي في قضايا محورية مثل الهجرة، الأمن، والتعاون في إفريقيا. هذه الريادة المغربية باتت تحظى بإجماع، كما أكدها الممثل الأوروبي، مشيرا إلى أن المسألة تقتصر على توضيح بعض النقاط في العلاقة بين الطرفين، مع التأكيد على ارتباط النتائج بالخطاب الملكي الذي شدد على أن أي شراكة أو صداقة مع الأطراف الدولية يجب أن تستند إلى الموقف من قضية الصحراء ووحدة المغرب الترابية، باعتبارها معيارًا أساسيًا لصدقية العلاقات وفعالية الشراكات.