اسماعيل كايا / اسطنبول
تعتقد الجهات الرسمية التركية في أنقرة بقدرتها على الضغط على الاتحاد الأوروبي لـ»إجباره» على تمويل مشروع المنطقة الآمنة التي بدأت في إقامتها شرقي نهر الفرات شمالي سوريا في إطار عملية «نبع السلام» وذلك على الرغم من الرفض الأوروبي المعلن للمخطط التركي والإدانات المتواصلة للعملية التركية.
ومنذ بداية الأزمة السورية، عرضت تركيا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مقترحات متتالية لإقامة منطقة حظر طيران ولاحقاً منطقة آمنة شمالي سوريا لحماية المدنيين السوريين من الحرب الدائرة في البلاد، لكن هذه الدعوات لم تلق أي استجابة من قبل الاتحاد الأوروبي وإدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب.
لكن وفي تطور غير مسبوق، اقترحت وزيرة الدفاع الألمانية «أنيجريت كرامب كارينباور»، الاثنين، إنشاء منطقة أمنية في شمال سوريا لحماية المدنيين النازحين وضمان استمرار قتال تنظيم الدولة، وقالت كارينباور: «أقترح أن نقيم منطقة أمنية تخضع لسيطرة دولية بمشاركة تركيا وروسيا»، معتبرة أن الخطوة ستسهم في استقرار المنطقة حتى يتمكن المدنيون من إعادة البناء ويتمكن اللاجئون من العودة طوعاً، لافتةً إلى أنها على اتصال وثيق بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأنها أبلغت أهم حلفاء ألمانيا بالاقتراح.
واعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تأييدها دعوة وزيرة الدفاع إلى نشر قوات دولية لاقامة «منطقة آمنة» في شمال شرق سوريا وأبلغت ميركل النواب المحافظين أن فكرة اقامة منطقة آمنة «واعدة للغاية حتى لو كان هناك العديد من الأسئلة»، حسبما أفادت مصادر من مجموعتها البرلمانية وكالة فرانس برس. لكن المبادرة المفاجئة التي أطلقتها وزيرة الدفاع انغريت كرامب-كارينباور ادت إلى انقسام حاد في حكومة الائتلاف التي تتزعمها ميركل. وقال وزير الخارجية هايكو ماس إن الدعوة أثارت «درجة من الانزعاج بين حلفاء المانيا في حلف شمال الأطلسي». وفي وقت لاحقا الثلاثاء، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن بلاده ستظل طرفاً في التعامل مع الموقف في سوريا وأنها تلقت أسئلة من حلفائها بعد اقتراح وزيرة الدفاع إقامة منطقة أمنية في شمال سوريا، مشيراً إلى ينسقون «عن كثب مع شركائنا في سوريا».
مقترح برلين لدعم خطة أنقرة أم لقطع الطريق عليها؟… وميركل تؤيد إقامتها
وبينما لم تعقب تركيا على هذا المقترح بعد، قال الكرملين إنه سيدرس فكرة ألمانيا إقامة منطقة أمنية تحت إشراف دولي في شمال سوريا، ولا يعرف حتى الآن ما إن كان المقترح الألماني يأتي في إطار التمهيد للتعاون مع المخطط التركي أم أنها محاولة لقطع الطريق على الخطة التركية وعرقلة تنفيذها لصالح مخطط آخر يقوده الاتحاد الأوروبي بدعم أمريكي.
وتطالب تركيا بتمويل أوروبي للمنطقة الآمنة التي بدأت بإقامتها في إطار عملية نبع السلام، وتشترط أنقرة بدرجة أساسية أن تكون المنطقة الآمنة تحت إدارتها المباشرة، وبالتالي فإن الحديث عن منطقة بإدارة أوروبية بالتعاون مع روسيا تركيا واحتمال إرسال قوات ألمانية إلى شمال سوريا مجدداً، يمكن أن يشكل محور خلاف مبدئي مع المقترح الألماني.
وقبيل هذا المقترح، كانت تركيا على ثقة كبيرة بأن ألمانيا وفرنسا والدول الأوروبية الكبرى سوف تكون «مجبرة» على تمويل مشروع المنطقة الآمنة التركي رغم رفض العملية العسكرية التركية وفرض عقوبات على أنقرة والتنديد بما تقوم به تركيا في شمالي سوريا.
وتعتبر تركيا أن هذه التصريحات لـ»الاستهلاك الإعلامي» وأن «الاتحاد الأوروبي مجبر على التعاون مع أي حلول تركيا لمنع حصول أزمة لجوء جديدة إلى دوله»، وترى أن خشية أوروبا من 4 ملايين لاجئ سوري تستضيفهم تركيا يضمن لأنقرة الحصول على تمويل أوروبي للمنطقة الآمنة.
وعقب انطلاق العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، بأنه يتوجب على تركيا ألا تنتظر من الاتحاد الأوروبي أن يغطي ثمن ذلك، وعلى الرغم من اعتباره أن «العلاقات مع تركيا معقدة»، شدد على انها «مهمة أكثر من أي وقت مضى». وبيّن أن الاتحاد الأوروبي «ملتزم تماماً» بالاتفاق مع تركيا حول الهجرة، وأن نتائج ملموسة تمخضت عن برنامج المساعدات المالية للاجئين السوريين بتركيا.
لكن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو قلل من قيمة هذه التصريحات، لملمحاً إلى أن الاتحاد الأوروبي سيكون مضطراً للدفع وتمويل المنطقة الآمنة، وذلك عقب سلسلة من التهديدات التي أطلقها اردوغان حول فتح الحدود والسماح بوصول أعداد هائلة جديدة من اللاجئين من تركيا إلى أوروبا.
والثلاثاء، وفي مؤتمر صحافي قبيل توجهه إلى روسيا للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين أعاد اردوغان التأكيد على أن بلاده تنتظر دعماً من الدول الأوروبية لإعادة اللاجئين السوريين واستقرارهم في شمال سوريا.
وكانت المجر الدولة الأوروبية الوحيدة التي أعلنت تفهمها للعملية العسكرية التركية في شمالي سوريا، وأعلن وزير الشؤون والتجارة الخارجية المجري بيتر سيرتو، استعداد بلاده للتعاون مع تركيا في حال أنشأت منطقة آمنة من أجل عودة اللاجئين السوريين، واعتبر أن حل تركيا لمشكلة اللاجئين داخل بلادهم تصب في صالح المجر، وقال: «إذا أسست تركيا منطقة آمنة من أجل إمكانية عودة الأسر المهجرة من سوريا، فإن المجر ستتعاون معها بكل سرور»، مشدداً على أن بلاده لا ترغب في وصول مئات الآلاف أو ملايين المهاجرين إلى حدودها.
وقال الوزير المجري: «لو خيرونا بين إرسال تركيا اللاجئين إلى سوريا أو فتح حدودها أمامهم كي يصلوا أوروبا؟، بالطبع جوابنا سيكون: يجب إرسالهم إلى سوريا»، وفي تصريحات جديدة قال الوزير المجري: «نوصي الاتحاد الأوروبي بدفع المال لتركيا كي تتمكن من إنشاء مدن يستطيع اللاجئون السوريون العودة إليها، وإلا فإنهم سيأتون إلى أوروبا».