اسماعيل كايا / اسطنبول
صوب رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو سهامه إلى الرئيس رجب طيب اردوغان، إذ قال أمس الجمعة، إن «تركيا أصبحت مكبلة بقيود احتكار السلطة والأزمة الاقتصادية ومناخ الخوف»، داعيا إلى إصلاح شامل للنظام السياسي في البلاد».
وبين في معرض الإعلان عن حزبه الجديد، أن «من يحكمون تركيا ليس لديهم برنامج يتجاوز حدود البقاء في السلطة».
وبعد يوم من تقديم طلب لتأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم حزب «المستقبل»، زاد أن النظام القضائي في تركيا أصبح آلية «مهيبة أكثر من كونها موضعا للثقة» وأن الاقتصاد يغوص في «أزمة عميقة». ودون أن يذكر اردوغان بالاسم، انتقد داود أوغلو بشدة تركيز السلطة في قبضة الزعيم التركي الذي يحكم البلاد منذ أوائل عام 2003، عندما شغل منصب رئيس الوزراء في البداية قبل أن يصبح رئيسا للبلاد.
وأعلن داود أوغلو رسمياً تشكيل حزب سياسي جديد في البلاد، وذلك عقب أشهر على استقالته من حزب «العدالة والتنمية» إثر خلافات كبيرة مع اردوغان، في أول انشقاق على هذا المستوى يشهده الحزب الحاكم منذ تأسيسه ووصوله إلى سدة الحكم قبل نحو 18 عاماً، وهو الحزب المتوقع أن يخرج من رحمه حزب آخر قريباً برئاسة علي باباجان وزير الاقتصاد السابق.
وداود أوغلو من أبرز السياسيين الأتراك في العقدين الأخيرين، وبقي لسنوات طويلة أحد أبرز المقربين من اردوغان الذي عينه وزيراً للخارجية في حكومته قبيل توليه رئاسة الوزراء بين عامي 2014 و2016 وهو العام الذي شهد تنحيته من قبل أردوغان عقب ظهور خلافات كبيرة بين الرجلين أدت إلى ابتعاد داود أوغلو عن الحياة السياسية والتزامه الصمت قبل أن يبدأ بتوجيه انتقادات علنية شديدة لأردوغان والعدالة والتنمية فصل على أثرها من الحزب ليعلن تشكيل حزب سياسي جديد. ونظم داود أوغلو، الجمعة، حفلاً في أحد فنادق العاصمة أنقرة أعلن من خلاله إطلاق حزب سياسي جديد، وذلك بعد يوم واحد من تقديم الحزب أوراقه الرسمية إلى وزارة الداخلية التركية لتسجيله تحت اسم «حزب المستقبل» وشعار لورقة شجرة باللون الأخضر.
وفي كلمته التي حضرها المئات وامتنعت الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام في البلاد عن تغطيتها بشكل مباشر، أكد داود أوغلو أن «حزب المستقبل تأسس من أجل تحقيق مزيد من التقدم والتطور للجمهورية التركية»، مضيفاً: «أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها، هو إعلاء شأن الإنسان وجعله مركز الحياة والدولة»، واعداً بإجراء إصلاحات داخلية تشمل المؤسسات الاقتصادية والسياسية والقضائية والأمنية.
يضم 18 برلمانيا سابقا وقيادات من الصف الثاني لـ«العدالة والتنمية» ومعارضا سوريا
وبينما جدد داود أوغلو معارضته للنظام الرئاسي في البلاد، وعد بالعمل على إجراء تغيير جذري ربما يشمل إعادة العمل بالنظام البرلماني السابق، وقدم وعوداً بتحسين الاقتصاد وتعزيز الإنتاج، وإصلاح «الأخطاء الحالية» في السياسة الخارجية للبلاد و«إعادة القوة الدبلوماسية لتركيا في كافة المحافل واتباع سياسة الانفتاح على كافة قارات العالم».
وفي نهاية الحفل عرض لائحة طويلة من أسماء القيادات المؤسسة للحزب والتي هي في أغلبها قيادات سابقة في حزب «العدالة والتنمية» لكنها شخصيات ليست من الصف القيادي الأول وغير معروفة بشكل كبير للرأي العام، بينهم عدد من النواب السابقين (18 نائباً سابقاً)، ورؤساء بلديات وصحافيون ونشطاء في مجالات مختلفة.
لكن أغرب الأسماء التي احتوتها قائمة المؤسسين الـ154 كان خالد خوجا أحد أبرز قيادات المعارضة السورية، والذي ترأس الائتلاف الوطني السوري المعارض منذ بداية عام 2015 إلى آذار/ مارس 2016، وهو سوري من أصل تركماني من مواليد العاصمة دمشق.
ورغم عدم وجود إعلان رسمي من قبل خوجا عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه ظهر في القائمة تحت اسم ألب تكين حاجي أوغلو، وهو الاسم التركي لخوجا عقب حصوله على الجنسية التركية، وظهر بتاريخ ميلاد مطابق (الرابع من يوليو/ تموز 1965) وكتب في مكان الميلاد (دمشق)، ما يؤكد تطابق الاسم، كما وصف في الإعلان الرسمي بأنه «باحث في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا»، وفي الموقع الرسمي للحزب كتب عنه «طبيب ورجل أعمال».
وأصوله السورية التركمانية جعلت من خوجا مقرباً أكثر من صناع القرار التركي إبان رئاسته الائتلاف، كما أنه يتحدث اللغة التركية حيث درس العلوم السياسية في جامعة إسطنبول عام 1986 والطب في جامعة ازمير عام 1994، واعتقل مرتين من قبل النظام السوري بسبب نشاطه السياسي. وبعد إعلان داود أوغلو عن حزبه الجديد، يتوقع أن يعلن علي باباجان هو الآخر عن تشكيل حزب سياسي جديد من رحم «العدالة والتنمية» وبدعم غير مباشر من قبل الرئيس السابق عبد الله غُل، وسط خشية داخل أوساط العدالة والتنمية من أن تؤدي الأحزاب الجديدة إلى تعقيد فرصه في النجاح بالانتخابات المقبلة لأول مرة منذ وصوله إلى الحكم.
لكن في المقابل، فإن من شأن فشل القيادات المبتعدة عن العدالة والتنمية في تشكيل جبهة موحدة أن يصعب مهمتها في مواجهة الحزب الحاكم أو الإطاحة بالرئيس أردوغان الذي ما زال يتمتع بقوة كبير داخل أروقة الحزب والبلاد بشكل عام، رغم بعض المصاعب التي مر بها في الأشهر الأخيرة.
كما أن من شأن هذه التشتت أن يمنع هذه الأحزاب من الحصول على عدد معتبر من الأصوات يمكنها من تشكيل كتل برلمانية جديدة في البرلمان عبر تجاوز الحاجز الانتخابي (10٪)، كما أن تشتتها في الانتخابات الرئاسية يعدم فرص أي منها في تشكيل أي تهديد على مكانة أردوغان.
وعلى الرغم من أن التوقعات واستطلاعات الرأي الأولية تعطي حظوظاً محدودة ونسباً متواضعة للحزبين في المرحلة الأولى من تشكيلهما، إلا أن هذه الأحزاب قد تؤدي إلى تشتيت أصوات الناخبين المحافظين، وهو ما قد يعود بالضرر على الحزب الحاكم والنفع على المعارضة، دون قدرة هذه الأحزاب على تحقيق مكاسب مباشرة في المرحلة الأولى.