اسماعيل كايا / اسطنبول
أقر الكونغرس الأمريكي تصويتاً يطالب برفع الحظر المفروض منذ عقود على تزويد قبرص اليونانية بالأسلحة الأمريكية، في خطوة غير متوقعة دفعت تركيا للتحذير من “تصعيد خطير”، وذلك في ظل أسوأ أزمة سياسية تمر بها العلاقات التركية الأمريكية، وبالتزامن مع تصاعد أزمة النفوذ وترسيم الحدود البحرية في شرقي البحر المتوسط بين العديد من القوى الإقليمية وأزمة الغاز المتصاعدة بين شقي جزيرة قبرص المتنازع عليها.
وتخشى تركيا أن يؤدي القرار الأمريكي إلى البدء فعلياً بتزويد إدارة قبرص اليونانية بأسلحة نوعية قد تؤدي إلى خلل في ميزان القوى في المنطقة، وتصعيد النزاع، لكنها تخشى بالدرجة الأولى من أن تكون الخطوة الأمريكية تهدف بالدرجة الأولى إلى نصب نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت” في قبرص اليونانية، رداً على شراء تركيا منظومة S400 الروسية، والتسريبات حول نية تركيا نشر المنظومة في منطقة ساحلية قريبة من مناطق النزاع شرق المتوسط.
والثلاثاء، وافق مجلس الشيوخ على القرار كبند من ميزانية الدفاع التي أقرت بـ 86 صوتا مقابل 8 أصوات، بعد أن كانت قد حظيت بموافقة مجلس النواب أيضاً، وبعد موافقة الرئيس سيكون بإمكان قبرص شراء الأسلحة الأمريكية لأول مرة منذ عام 1987، حيث فرضت واشنطن في ذلك العام حظر أسلحة على شقي الجزيرة بهدف منع حصول سباق تسلّح فيها وتشجيع طرفي النزاع فيها على التوصل إلى تسوية سلمية.
وقال نواب إنهم يهدفون من هذا القرار إلى “تشجيع التعاون المتنامي بين قبرص واليونان وإسرائيل”. وقال السيناتور روبرت ميندينيز: “مع سعي قبرص لتعميق الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، من مصلحتنا الأمنية والاقتصادية رفع قيود قديمة تعود لعقود ولم تعد صالحة ولا تساعد الأهداف الأمنية الأمريكية”.
من جهتها، اعتبرت الخارجية التركية أنه “لن تكون هناك نتائج (للقرار الأمريكي) سوى عرقلة الجهود الرامية لتسوية النزاع في الجزيرة والتسبب بتصعيد خطير”، وتعهّدت بالرد على “المبادرات المناهضة لتركيا”، وقالت: “لغة التهديد والعقوبات لن تثني تركيا قط عن اتّخاذ خطوات حازمة للمحافظة على أمنها القومي”.
هذا القرار جاء في وقت يعمل فيه الكونغرس على مجموعة مشاريع قوانين لفرض عقوبات سياسية وعسكرية واقتصادية مختلفة على تركيا بسبب عملية “نبع السلام” التي نفذتها ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا، وبدرجة أساسية بسبب شراء تركيا منظومة S400 الدفاعية من روسيا وإصرارها على نصبها وتفعيلها رغم التحذيرات والتهديدات الأمريكية.
وبينما أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار أن المنظومة الروسية سيتم نصبها وتشغيلها بحلول الربيع المقبل، كشفت تسريبات تركية مختلفة أن إحدى بطاريات المنظومة الروسية سوف يتم نصبها في منطقة ساحلية غربي تركيا قبالة قبرص ومناطق النزاع شرقي البحر المتوسط.
وفي المقابل، تخشى تركيا أن تكون الخطوة الأمريكية تهدف إلى بيع قبرص منظومة باتريوت الأمريكية من أجل نصبها على أراضي قبرص، وهو ما تعتبره تركيا تغييراً غير مقبول في موازين القوى بالمنطقة، وسبق أن اعترضت على إمكانية نصب منظومة دفاعية روسية على الأراضي القبرصية.
وعام 1997 اضطرت قبرص اليونانية للتخلي عن منظومة S300 عقب شرائها من روسيا والبدء في تنصيبها، وذلك بعدما هددت تركيا بعمل عسكري واضح ضدها، وهو ما أجبرها على نقلها إلى اليونان التي أدخلتها الخدمة عام 2013، وبقيت قبرص اليونانية بدون منظومة دفاعية بسبب الموقف التركي الصارم الذي يعتبر ذلك إخلالاً بموازين القوى وتهديداً لأمن تركيا وقبرص التركية.
وما يزيد من أهمية هذه الخطوة، كونها تأتي بالتزامن مع تصاعد الصراع بين تركيا وقبرص بالدرجة الأولى على الحدود البحرية في شرق المتوسط، حيث زجت تركيا مؤخراً بعدد من سفن التنقيب إلى مناطق متنازع عليها وحمتها بسفن حربية وطائرات عسكرية على مدار الساعة.
وأضيف إلى ذلك الاتفاق العسكري والبحري بين تركيا وليبيا والذي يحد من النفوذ والسيطرة اليونانية والقبرصية شرق المتوسط، وبدء تركيا بحظر التنقيب في المناطق التي حددتها مع ليبيا، على أن تبدأ بداية العام المقبل بالتنقيب في تلك المناطق بحماية الجيش التركي الذي بدأ في استخدام مطار عسكري في قبرص التركية لاستخدامالطائرات العسكرية بدون طيار التي سيوكل إليها مراقبة المنطقة وحماية عمليات التنقيب، وهي تطورات تنذر في مجملها بتصعيد كبير في شرق المتوسط.
والأربعاء، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعليقاً على إرسال طائرات مسيرة إلى قبرص التركية: “سنزيد عددها إذا تطلب الأمر، وكل شيء يمكن أن يتغير في أي وقت وفقًا للحاجة”.