اسماعيل كايا / اسطنبول
أحرز زعيما الطرفين المتحاربين في ليبيا بعض التقدم في محادثات سلام غير مباشرة في موسكو أمس الإثنين، لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق حول هدنة دائمة وغير مشروطة.
وخلال محادثات استمرت لنحو ثماني ساعات، حث الوسيطان الروسي والتركي الطرفين المتنافسين على توقيع هدنة ملزمة تنهي حربهما وتمهد الطريق لتسوية قد تؤدي لاستقرار هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن فايز السراج الذي يرأس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس، وقع على اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال إن خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) طلب مزيدا من الوقت لدراسة وقف إطلاق النار.
وقف إطلاق النار يعزز النفوذ الروسي التركي ويقلّص الأوروبي وسط غياب أمريكي
وقال لافروف للصحافيين في مقر انعقاد المحادثات «اليوم نستطيع أن نقول إنه جرى إحراز بعض التقدم».
وقال جاويش أوغلو للصحافيين إن حفتر طلب مهلة حتى صباح الثلاثاء لدراسة الاتفاق.
وعزز اتفاق وقف إطلاق النار الذي فرضته روسيا وتركيا، ولم يكتمل بشكل نهائي بعد في ليبيا، من نفوذ موسكو وأنقرة العسكري والسياسي في ليبيا والمنطقة العربية بشكل عام، في ظل تراجع للدور الأوروبي، ووسط غياب لافت للدور الأمريكي في ظل انشغال واشنطن بالأزمة مع إيران في المنطقة.
وبعد سنوات من فشل جهود الأمم المتحدة والعديد من الدول الأوروبية بالإضافة إلى الدول العربية، نجحت تركيا وروسيا في التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار يمهد الطريق إلى اتفاق مكتوب ضمن آليات محددة، للانتقال إلى الحديث عن حل سياسي أوسع يمكن أن تحتكره موسكو وأنقرة، رغم التأكيدات الحالية بمرور الحل السياسي من خلال مؤتمر برلين المنتظر والأمم المتحدة.
وعقب قرارها بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا والبدء بإرسال أعداد قليلة من المستشارين العسكريين فقط، تمكنت تركيا من فرض نفسها كلاعب أساسي في الأزمة الليبية، وباتت بمثابة الضامن الأول لأحد طرفي القتال في البلاد، المتمثل في حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بينما تزيد روسيا من تفردها في قرارات الطرف الآخر المتمثل في ميليشيات خليفة حفتر، لتكون بمثابة الضامن الأول له، في صيغة مشابهة لاتفاق أستانة الروسي التركي حول سوريا.
وبحلول الثلاثاء، يتوقع أن تتمكن أنقرة وموسكو من الضغط على طرفي الأزمة من أجل التوقيع على اتفاق رسمي يرسخ وقف إطلاق النار، الذي بدأ الأحد في عموم ليبيا وما زال صامداً باستثناء بعض الخروقات الطفيفة، على أن يكون ذلك لبحث حل سياسي أوسع ينهي الأزمة في ليبيا.
ورغم الإعلان رسمياً عن انعقاد مؤتمر برلين المنتظر في التاسع عشر من الشهر الجاري، بمشاركة رفيعة المستوى من ممثلي العديد من الدول الكبرى، إلا أنه من المتوقع أن يتواصل ويتوسع الاستفراد الروسي التركي في الملف الليبي، وسط تراجع متزايد للدور الأوروبي، وغياب للدور الأمريكي.
فعلى المستوى الأوروبي، وطوال السنوات الماضية، كان النفوذ الفرنسي والإيطالي هو الأبرز في الأزمة الليبية، لكنه لم يكن موحداً وكان تنافسياً إلى درجة كبيرة بين باريس وروما، إلى أن تدخلت روسيا وتركيا بقوة، حيث بدأ الدور الأوروبي بالتراجع بشكل لافت ولو تدريجياً إلى الصفوف الخلفية، لحساب النفوذ الروسي ـ التركي.
وعلى غرار ما جرى في سوريا، يتوقع أن يتراجع دور الأمم المتحدة أيضاً وتقل فاعليته في اتخاذ القرارات الكبرى، على أن يقتصر على مراقبة التوافقات المتوقعة شكلياً، أو لعب دور في حماية وقف إطلاق النار، أو إدارة بعض الموانئ وجلسات الحوار، على أن يبقى التأثير الأكبر في اتخاذ القرارات المصيرية لروسيا وتركيا.
إلى جانب ذلك، يبدو الدور الأمريكي غائبا إلى درجة كبيرة عن الأحداث المتسارعة في ليبيا، وذلك في ظل انشغال إدارة الرئيس دونالد ترامب في الأزمة المتصاعدة مع إيران، وإدارة انتشار قواتها في العراق وسوريا، وهو ما يتوافق مع سياسة ترامب في تقليص التدخل في بعض ملفات الشرق الأوسط، حيث بدأ التراجع الأمريكي في ليبيا منذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي قبل سنوات.
وبعد أن كانت روسيا داعما عسكريا مباشرا لميليشيات حفتر من خلال مجموعات فاغنر القتالية الروسية غير النظامية، مقابل الدعم التركي المباشر لحكومة الوفاق، تمكن بوتين وأردوغان من التوصل إلى تفاهمات سريعة حول الملف الليبي في ظل تغليب مصالح البلدين ضمن حسابات تضمن مصالح البلدين المتعارضة في ليبيا، وتضمن مصالحهما المشتركة في ضرب النفوذ الغربي في المنطقة.
وخلال أيام فقط، جرى التوافق على توجيه دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار، وبضغط كبير من الطرفين التزم بها طرفا القتال في ليبيا، ليتم تثبيته في اتفاق منتظر في موسكو، على أن تبدأ مباحثات لاتفاق سياسي أوسع، سيفتح الباب واسعاً أمام تفرد روسي ـ تركي أكبر في الملف الليبي، سوف يغير خريطة ميزان القوى الدولية في الساحة الليبية، وبالتالي سيتم تغيير على نطاق أوسع يتعلق بالنفوذ الدولي في المنطقة.