وائل المبروك وإسماعيل كايا / طرابلس . اسطنبول
بعد أن عاد الأمل إلى الليبيين بموطن أمن خالٍ من أصوات القذائف والمدافع المرعبة، وشوارعٍ خالية من مشاهد الدم والقتل والاجرام، وبعد أن عادت الحياة إلى العاصمة طرابلس بخبر وقف إطلاق النار، وبإعلان حفتر موافقته على هذا الوقف، توجه الطرفان إلى موسكو، وبمبادرة حكومة الوفاق بالتوقيع فوراً على وقف اطلاق النار، فوجئ الجميع بمماطلة حفتر في التوقيع وطلبه مهلة لا داعي لها، لأن نص الاتفاق موجود لديهم منذ يومين، وكان من المنتظر أن يتم التوقيع فقط، وما أن مضت ساعات حتى فوجئوا مرة أخرى بمغادرة حفتر لموسكو، دون أي تصريح أو إعلان أو تبرير ودون التوقيع على الاتفاق المتفق عليه.
قمة في برلين حول ليبيا على مستوى زعماء الدول… ميركل: هدفنا حظر الأسلحة للجميع
وأكدت تركيا على لسان عدد من مسؤوليها تمسكها بوقف إطلاق النار في ليبيا، بالتزامن مع إطلاق الرئيس رجب طيب اردوغان، الثلاثاء، تهديدات غير مسبوقة باستخدام الخيار العسكري المباشر ضد الجنرال خليفة حفتر، في حال استأنف هجماته على العاصمة الليبية طرابلس، وذلك في ظل رفض الأخير التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه حكومة «الوفاق» خلال المباحثات التي جرت الإثنين في العاصمة الروسية موسكو.
وبينما نجحت تركيا في دورها كضامن لحكومة «الوفاق» في تطبيق وقف إطلاق النار والتوقيع على ورقة موسكو، فشلت روسيا في هذه المهمة، في تطور هام يكشف تأثير الأطراف الإقليمية الداعمة لحفتر على قراره، حيث اتهم مسؤولون أتراك داعميه بتخريب جهود موسكو، في حين اعتبرت الصحافة التركية أن دولا كمصر والإمارات ضغطت على حفتر لتخريب الاتفاق ووضع شروط تعجيزية تستهدف تركيا بالدرجة الأولى كسحب القوات التركية ومنع أنقرة من مراقبة الاتفاق وإلغاء الاتفاقيات التي وقعتها حكومة السراج مع أنقرة.
وفي حال انهيار وقف إطلاق النار الهش في ليبيا، توقعت مصادر تركية مختلفة أن تلجأ أنقرة إلى توسيع وتكثيف دعمها العسكري لحكومة «الوفاق» خلال الأيام المقبلة، وذلك من اجل حماية العاصمة من هجوم واسع متوقع لقوات حفتر، وتوجيه ضربة عسكرية لهذه القوات على أمل إجبار حفتر على العودة إلى طاولة المفاوضات، والتخلي عن الخيار العسكري، وهو ما بدا واضحاً من تصريحات كبار المسؤولين الأتراك.
تصرف حفتر لم تجد له معظم الاطراف مبرراً منطقياً، فهناك من أكد أنه متمسك بالحرب وبسفك الدماء فقط، فقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صباح أمس في كلمة أمام كتلة حزبه قائلاً إن حفتر فر هاربا من موسكو دون توقيع اتفاق وقف النار، متوعدا بتلقينه درسا إن واصل هجومه على طرابلس. مشدداً أن تركيا لن تتردد في تلقين حفتر الدرس اللازم في حال واصل اعتداءه على «أشقائنا الليبيين والحكومة الشرعية للبلاد»، ومشيرا أن حكومة الوفاق تبنت موقفا بناء وتصالحياً في محادثات موسكو.
وأكد الرئيس التركي أن حفتر وافق في بادئ الأمر في موسكو على اتفاق الهدنة في ليبيا ثم فر هاربا، مشدداً على أن مسؤولية توقيعه تقع على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفريقه من الآن فصاعدا.
ونوه أردوغان على أنه لا يمكن لأنقرة البقاء مكتوفة الأيدي حيال ما يحدث في ليبيا، و«الذين يلطخون ليبيا بالدم والنار، يظهرون في الوقت نفسه حقدهم تجاه تركيا».
وشدد الرئيس التركي على أن بلاده لا تسعى للمغامرة في سوريا وليبيا والبحر المتوسط، وأنه ليست لدى بلاده طموحات إمبريالية على الإطلاق، وأن هدفها الوحيد هو «حماية حقوق الليبيين وضمان مستقبلهم ومستقبل أشقائهم».
وخرجت وزارة الدفاع الروسية في حديث مقتضب لتقول إن حفتر ينظر بإيجابية إلى الاتفاق مع حكومة الوفاق وهو بحاجة إلى يومين من أجل استشارات محلية، رغم وجود وثيقة الاتفاق بين يدي حفتر منذ يومين، ورغم اقتراب مؤتمر برلين.
وأرجعت قناة تلفزيونية ليبية، أمس الثلاثاء، تأجيل اللواء متقاعد، خليفة حفتر، التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار إلى أنه لا يُشرعن وجود قواته في محيط العاصمة طرابلس (غرب).
ووقعت حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليًا، على الاتفاق في موسكو مساء الإثنين، بينما طلب وفد حفتر، صباح الثلاثاء، مهلة يومين لإجراء استشارات محلية، وفق وزارة الدفاع الروسية.
ونقلت قناة «فبراير» (خاصة) عن مصادر لم تسمها قولها إن «تأجيل حفتر التوقيع على الاتفاق بسبب عدم تضمينه لشرعنة وجوده بالمعسكرات التي سيطر عليها بمحيط طرابلس».
وفي سياق متصل عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن تفاؤلها الحذر بشأن فرص تحقيق مؤتمر برلين بشأن ليبيا خطوات للأمام تنتهي بحل تفاوضي للأزمة الليبية.
وقالت ميركل خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لتحالفها المسيحي اليوم الثلاثاء في برلين: «لقد حان الوقت للنظر فيما إذا كنا نستطيع اتخاذ قرار على أعلى مستوى سياسي»، وذلك وفقا لما نقله مشاركون في الاجتماع عن المستشارة الألمانية. ومع ذلك فإنه يجب، حسب ميركل، التعامل مع المؤتمر بتوقعات متدنية جدا.
وأوضحت المستشارة أن الهدف من وراء مؤتمر ليبيا المقرر الأحد المقبل أن تلتزم جميع الأطراف المعنية «بالالتزام بالحظر الحالي للأسلحة والذي يتم انتهاكه دائما بشكل صارخ» وذلك لفتح الطريق أمام حل سياسي.
وحسب المصادر فإن ميركل أوضحت أن الحكومة الألمانية لم تقرر بين عشية وضحاها الدعوة لمؤتمر برلين، وتحدث عن عملية طويلة استوثقت الحكومة الألمانية خلالها لنفسها من جهات كثيرة. وأكدت ميركل أنه «يوما ما يحين الوقت الذي ربما نستطيع فيه التوصل لشيء».
ورأت ميركل أن هناك «بادرة طيبة» تتمثل في قدوم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي وممثلين عن الاتحاد الأفريقي إلى برلين، وقالت إنه إذا أصبح من الممكن الاقتراب من وقف إطلاق النار شيئا ما، «فإن ذلك سيكون جيدا أيضا».
وأشارت ميركل إلى أنه أصبح أكثر وضوحا على مدار «عملية برلين» بشأن الأزمة الليبية أن القوات الأجنبية في البلاد ستعمل على عدم عودة السلام إلى هناك، مضيفة أنه «طالما ظل عتاد عسكري يصل إلى هناك فإن المعارك العسكرية هناك لن تهدأ».
كما أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً حتث فيه على مواصلة الجهود لدعم وقف إطلاق النار في ليبيا، حيث ذكرت أنه و«من أجل السكان المدنيين في طرابلس، ومئات الآلاف الذين فروا من منازلهم و116000 طفل غير قادرين على حضور فصولهم الدراسية، تحث بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الأطراف على مواصلة الالتزام بوقف إطلاق النار المعلن وإعطاء الجهود الدبلوماسية الجارية فرصة للتوصل إلى وقف دائم للعمليات العسكرية والعودة إلى العملية السياسية».
وفي السياق ذاته صرح وزير الخارجية في حكومة الوفاق محمد سيالة الثلاثاء، لوكالة سبوتنيك، أن ضغوط حلفاء حفتر عليه حالت دون توقيعه على اتفاق وقف إطلاق النار، مضيفاً أن روسيا أبلغتهم بأنها تمارس ضغطا على حفتر للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار.
أما عسكرياً فالهدوء يسود محاور القتال حتى بعد رجوع حفتر دون توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بالأمس، رغم أن هناك أخباراً عن وجود تحشيد عسكري، إلا أنه وإلى هذه اللحظة يسود الهدوء النسبي العاصمة طرابلس ومحيطها.
وعلى صعيد الحياة في العاصمة طرابلس فقد أعلنت المؤسسات التعليمية عن عودة الدراسة في طرابلس ابتداء من الأربعاء، نظراً للاستقرار النسبي الذي تشهده المنطقة، رغم بعض الخروقات من قبل حفتر.