بعد إفشال قائد ميليشيات الشرق الليبية خليفة حفتر محاولة روسيا وتركيا قبل أيام رعاية اتفاق هدنة دائمة لقواته مع حكومة «الوفاق» الشرعيّة، قام الجنرال بتصريحات مخاطبا فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعبارة «صديقي العزيز»، ويؤكد فيها استعداده لقبول دعوة لزيارة روسيا «لمواصلة الحوار الذي بدأناه»، وهو ما يمكن أن يقرأ كمحاولة لامتصاص الغضب الروسيّ، وكذلك لاحتساب موسكو، التي تزوّده بمرتزقة شركة «فاغنر»، ضمن رصيد داعميه في مؤتمر برلين الذي سيعقد غدا الأحد، كما يمكن أن يفهم كتنصّل مسبق من أي قرارات لا تناسبه في المؤتمر الذي تنظمه ألمانيا، على أن يؤجل التفاوض، أو يكسب الوقت، بإعادته إلى روسيا ورقة الدولة المقررة في شؤون الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو دور لا يكف عن دغدغة مشاعر القيصر الروسي العتيد.
تشير الحالة الزئبقية الدائمة لحفتر، إلى التناقضات الواقعة بين الدول الكبرى، فالمؤكد أن بلدانا عديدة ما كانت ستسمح بحصول اتفاق ترعاه موسكو، وتكون تركيا الطرف الثاني الأقوى فيه، ومن هنا نفهم الأنباء التي تحدّثت عن «كلمة سر» وصلت حفتر، ونتجت عن توافق بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات (التي كانت حاضرة في كواليس اجتماع موسكو)، وكان سبب دخول واشنطن على خط منع الاتفاق وجود بنود غير معلنة فيه منها إقامة قاعدة عسكرية ضخمة لموسكو في الجنوب الليبي، في محاولة من العاصمة الروسية لتطبيق السيناريو السوريّ وتوسيعه نحو الأراضي الليبية والبحر المتوسط.
من الواضح أن العامل الذي لعب الدور الأكبر في تحريك القضيّة الليبية، وجعل كل هذه العواصم مهتمّة فجأة بحل الأزمة الطاحنة التي خلّفت آلاف القتلى (وكان من عواقبها، حسب منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة «يونيسيف» نزوح أكثر من 90 ألف طفل من بيوتهم) هو الاتفاقية الأمنية والبحرية التي عقدتها حكومة «الوفاق» مع تركيا، والتي قلبت الطاولة على المراهنين الإقليميين على انتصار الجنرال وفتح طرابلس، كما كشفت التواطؤ الأوروبي مع عواصم الثورة المضادة العربية، وكان من المفاجآت غير السعيدة انكشاف استخدام اليونان لمناطق بحرية محسوبة على ليبيا ومصر، وهو ما جعلها تدخل بحميّة على خط العداء للاتفاقية التركية ـ الليبية، وتصعيد التعاون في هذا الموضوع مع مصر وإسرائيل.
وفيما كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن وثائق مؤتمر برلين «صارت شبه جاهزة» فإن الطرفين المتحاربين رفعا سقف المواجهة، فتركيا أعلنت عن بدء نشر جنودها في ليبيا، كما وصلت أنباء غير مؤكدة عن وصول أسلحة نوعية لحكومة «الوفاق»، فيما استمرّت قوات حفتر بخرق الهدنة واستهدفت حقل البريقة النفطي في ظل دعوات لوقف النفط الليبي حتى انتهاء مؤتمر برلين.
يوفّر اشتراك أغلب الأطراف الدولية والإقليمية في مؤتمر برلين ثقلا دوليا كبيرا قد يسمح بفرض حلّ دولي يوقف عدوان الجنرال الطامح للسلطة بغض النظر عن الأثمان الباهظة التي يدفعها الليبيون من أرواحهم وممتلكاتهم، فهل سيكون وقف الحرب قرارا تتكفل بإنفاذه المنظومة الدولية أم يتمكّن الجنرال وحلفاؤه من التلاعب مجددا بمصائر ليبيا؟