اسماعيل كايا / اسطنبول
على الرغم من أن ألمانيا عملت منذ أشهر طويلة من أجل عقد مؤتمر برلين المتعلق بالأزمة الليبية، إلا أن التدخل العسكري التركي في الأزمة والحراك الدبلوماسي الواسع الذي قاده الرئيس رجب طيب أردوغان خاصة مع روسيا دفع باتجاه عقد المؤتمر في وقت أقرب من المتوقع وبتجاوب كبير من القوى الدولية التي تحركت بدوافع مختلفة لعل أبرزها الحد من التدخل السياسي والعسكري التركي-الروسي في ليبيا.
وبغض النظر عن الدوافع، إلا أن تركيا سجلت أنها المحرك الأساسي لعقد المؤتمر بعدما نجحت مع روسيا في التوصل لوقف إطلاق النار لأول مرة منذ بدء الجنرال خليفة حفتر هجومه على العاصمة طرابلس قبل نحو 10 أشهر، وسعت لتعزيز محورها في المؤتمر عبر الضغط لإشراك العديد من الدول. وبينما نجحت في ضم الجزائر وإعاقة ضم اليونان، فشلت في ضم المغرب بعدما كادت أن تنجح في ضم تونس بسبب تأخر الدعوة ورفض الأخيرة لها.
وبانعقاد المؤتمر في برلين بمشاركة دولية واسعة ورفيعة المستوى، تعلم أنقرة منذ البداية أن أبرز قراراته تتمثل في الدعوة لوقف كافة التدخلات الخارجية في ليبيا، ووقف إرسال الأسلحة والدعم العسكري لكافة أطراف القتال في ليبيا، وتحويل هذه الدعوات إلى قرارات رسمية دولية من خلال مجلس الأمن والتهديد بفرض عقوبات دولية على الدول التي تنتهك هذا القرار، وهي القرارات التي كانت تطالب بها في السابق ولا تستطيع معارضتها حالياً رغم أنها باتت إحدى الدول المستهدفة من القرار.
هذا القرار وإن لم يكن يذكر أي دولة بشكل مباشر، إلا أنه يستهدف تركيا بدرجة أساسية، حيث بدأت أنقرة في الأسابيع الأخيرة بإرسال قوات عسكرية نظامية من الجيش التركي إلى طرابلس، بعدما ظلت لأشهر طويلة تقدم الدعم العسكري واللوجستي غير المعلن لقوات حكومة الوفاق التي تواجه هجوماً كبيراً من ميليشيات حفتر المدعومة عسكرياً بمليشيات روسية وسودانية وتشادية وبغطاء جوي إماراتي ودعم عسكري مصري.
لكن هذا القرار لا يبدو جديداً، وسيكون نسخة مكررة من قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولي حظرت تقديم الدعم العسكري والأسلحة لكافة أطراف القتال في ليبيا، وهو ما انتهكته كافة الدول التي واصلت تقديم الدعم العسكري لطرفي القتال طوال الأشهر الماضية.
تبرر تركيا خطوتها الأخيرة بأنها «تختلف عن باقي الدول التي تدعم حفتر»، وذلك كونها تأتي في إطار مذكرة تفاهم عسكرية رسمية جرى التوقيع عليها بين أنقرة وحكومة الوفاق في طرابلس، والتي تؤكد تركيا أنها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وهو ما يخولها التوقيع على هكذا اتفاقيات وطلب الدعم العسكري بشكل رسمي وفي إطار القانون الدولي.
وعلى الأرض، استبقت تركيا صدور البيان النهائي لمؤتمر برلين، بتكثيف إرسال القوات والأسلحة إلى ليبيا، وأكدت مصادر تركية وليبية مختلفة أن الأيام الأخيرة شهدت تكثيف إرسال قوات تركية إلى ليبيا وتمثل ذلك في إرسال دبابات ومدرعات ومصفحات، ونصب منظومة دفاع جوي في العاصمة، إلى جانب إرسال مستشارين عسكريين وضباط من الجيش التركي.
هذه الخطوة تهدف إلى فرض أمر واقع على الأرض لتعزيز موقف أنقرة وحكومة الوفاق التفاوضي في أي قرارات يتوصل إليها المؤتمر لا سيما فيما يتعلق بإخراج القوات الأجنبية من ليبيا أو وقف إرسال الأسلحة لأطراف القتال، إلى جانب تعزيز قدرة حكومة الوفاق على الصمود أمام احتمال استئناف هجومه على العاصمة.
وعلى الرغم من تأكيد أردوغان المتكرر على أن بلاده سوف تواصل الدعم العسكري لحكومة الوفاق، إلا أن مصادر تركية غير رسمية تقول إن أنقرة مستعدة لوقف إرسال الأسلحة إلى حكومة الوفاق في حال تم إجبار كافة القوات الأجنبية على الخروج من ليبيا ووقف نقلها الأسلحة لقوات حفتر.
وتقول أنقرة إن مهمة الجيش التركي في ليبيا تعتبر بمثابة «قوات ردع» هدفها الأساسي ردع حفتر وداعميه عن مواصلة الهجوم على طرابلس ومحاولة اسقاط حكومة الوفاق بالقوة العسكرية، وفي حال وقف الهجوم ووقف الدعم الخارجي لحفتر فإن أنقرة مستعدة لوقف تحركاتها العسكرية ونقل الأسلحة، لكنها تشترط لذلك ضمانات قطعية.
وبسبب الزخم الدولي، والتهديد بفرض عقوبات دولية على من يخرق القرارات، يتوقع أن تعلن أنقرة التزامها بقرارات مؤتمر برلين المتعلقة بحظر نقل السلاح بشرط التزام الأطراف الأخرى به، حيث يريد أردوغان ضمانات بوقف هجوم حفتر ووقف الدعم الخارجي له للتأكد من أنه بات لا يهدد باحتلال طرابلس، وهو الضمان الوحيد الذي يمكن ان يدفع الرئيس التركي لقبول تجميد الدعم العسكري لحكومة السراج لا سيما عقب وضع كامل ثقله السياسي والعسكري من أجل حماية حكومة السراح والحفاظ على مكتسبات الاتفاق البحري الأخير في شرق البحر المتوسط.