اسماعيل كايا / اسطنبول
كشف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لأول مرة، عن أن الصومال طلبت من بلاده التنقيب عن الغاز في مياهها، وذلك بعد أسابيع من دعوة ليبية مشابهة أعقبت التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية بين البلدين، في ظل تكثيف تركيا عمليات البحث والتنقيب عن الغاز في مناطق واسعة تابعة لها ولجمهورية شمال قبرص التركية إلى جانب مناطق أخرى متنازع عليها مع اليونان وقبرص.
والإثنين، قال اردوغان إن بلاده سوف تعمل قريباً مع ليبيا وربما مع بلدان أخرى من أجل التنقيب عن الموارد الطبيعية، لافتاً إلى أن بلاده تلقت طلباً من الصومال يدعو أنقرة إلى استخراج النفط من البحار المحيطة به، مضيفاً: «لذلك، سيكون لنا أنشطة نقوم بها، وخطوات نتخذها هناك».
هذه الدعوات تأتي في ظل توسع الصراع على الحدود البحرية وموارد الطاقة شرقي البحر المتوسط بشكل غير مسبوق في الأشهر الأخيرة، والذي وصل إلى حدته عقب توقيع الاتفاق البحري بين أنقرة وطرابلس، وإرسال قوات تركية إلى ليبيا وسط تحشيد عسكري غير مسبوق يهدد بتفجير خلافات عسكرية أكبر في المنطقة.
ورغم دعوات ليبيا والصومال لتركيا من أجل مساعدتها في التنقيب عن الموارد الطبيعية في مياهها الإقليمية، إلا أن تركيا التي بدأت محاولات صعبة وأولية للتنقيب عن الموارد الطبيعية في مناطقها الاقتصادية الخالصة، لم تنجح حتى الآن في تحقيق أي اكتشاف أو نجاح في تثبت أماكن الغاز أو الحديث عن استخراجه.
وفي هذا الإطار، تعترف جهات تركية رسمية بشكل غير معلن بأن أنقرة لا تتمتع بالخبرات والإمكانيات والقدرات الكافية من أجل التنقيب عن الغاز في البحر، وأن سفن التنقيب التركية التي نشرت في شرق المتوسط مؤخراً تأتي في إطار محاولات أنقرة الاعتماد على نفسها وتطوير قدراتها، لكنها تهدف بالدرجة الأساسية إلى ضمان الحقوق التركية و«اثبات الوجود» ولا يتوقع منها الكثير من النتائج.
ولسنوات طويلة، حاولت تركيا دعوة الشركات العالمية الكبرى للتنقيب عن مصادر الطاقة في مياهها الإقليمية ومناطق أخرى خلافية تقول إنها تابعة لها ولجمهورية قبرص التركية، لكنها واجهت مصاعب كبيرة في ظل رفض إدارات الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات العمل مع تركيا لحين حل الخلافات الحدودية مع اليونان وقبرص، لكن هذه الشركات في المقابل تعاونت مع اليونان وقبرص وتوصلت إلى اكتشافات كبرى وبدأت باستخراج الغاز من مناطق تابعة لمصر وإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية.
وأمام هذا المشهد، وجدت تركيا نفسها للقيام بأي تحرك لإثبات وجودها في شرق المتوسط. وبضغط كبير من اردوغان، بنت الصناعات التركية الكبرى عدداً من سفن التنقيب والبحث، كما اشترت الدولة سفينة من شركة هولندية بعشرات ملايين الدولارات حيث تتمتع بإمكانيات متطورة للبحث والتنقيب عن الغاز، وخلال العام الأخير أرسلت تركيا هذه السفن تباعاً إلى شرق المتوسط للقيام بعمليات بحث واسعة على أمل تحديد أماكن الغاز الطبيعي.
ومن «فاتح» إلى «ياووز» إلى «خير الدين بربروس» وغيرها، انتشرت هذه السفن في مناطق متنازع عليها مع اليونان وقبرص بحماية كبيرة من سفن وطائرات حربية تركية في مهمة لم يكن هدفها التنقيب الاقتصادي الحقيقي بقدر ما اعتبرت بمثابة وسيلة لفرض السيطرة على تلك المناطق وحمايتها من عمليات تنقيب يونانية وإثبات الوجود في المنطقة.
وفي السابق، اعترف عدد من المسؤولين الأتراك بأن بلادهم لا تمتلك الأدوات أو الخبرات الكافية من أجل التنقيب عن النفط والغاز، وأن هناك برنامجاً وطنياً واسعاً لتطوير الخبرات التركية والقدرة على البحث والتنقيب، إلى جانب برنامج صناعة سفن التنقيب والبحث وأدوات الاستخراج، لكن هذا البرنامج ما زال في بداياته ولم يسجل أي نجاح تركي بعد في استكشاف أو استخراج الغاز من البحر.
وفي ظل المعطيات السابقة، لا تبدو الدعوات الليبية والصومالية تتعلق بأهداف اقتصادية خالصة بهدف التنقيب عن الموارد الطبيعية، ولا لكون تركيا تعتبر من الدول المتقدمة عالمياً في مجال التنقيب عن الغاز واستخراجه، وإنما دعوات سياسية في إطار الصراع المتزايد في المنطقة، على أن تنجح أنقرة في فرض أمر واقع يجبر الشركات الكبرى على التحالف معها في المناطق التي تمتلك نفوذاً فيها أو تطوير قدراتها تدريجياً لتصبح قادرة على استكشاف الغاز واستخراجه في مناطقها الخالصة أولاً قبل أن توسع عمليها لصالح ليبيا والصومال.