اسماعيل كايا / اسطنبول
يستعد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لجولة خارجية جديدة تشمل 3 دول إفريقية بينها الجزائر، بعد أيام من زيارته لتونس، ليصل بذلك إلى 33 عدد الدول الإفريقية التي زارها منذ عام 2004، وذلك في إطار خطة استراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية لأهداف استراتيجية في القارة.
وأكدت مصادر في الرئاسة التركية أن اردوغان سوف يبدأ الأسبوع المقبل جولة إفريقية جديدة تشمل الجزائر وغامبيا والسنغال، حيث يزور الجزائر لمدة يومين في 26 من الشهر الجاري، قبيل التوجه إلى غامبيا ليوم واحد، ومنها إلى السنغال ليومين في زيارة تركز على بحث العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون التجاري إلى جانب بحث التعاون في محاربة التنظيمات الإرهابية، لا سيما نشاط تنظيم غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا عام 2017.
وتركز زيارة اردوغان للجزائر على بحث الملف الليبي، وذلك عقب زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو إليها، بالتزامن مع زيارة اردوغان المفاجئة إلى تونس والتي جاءت بالتزامن مع قرار تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا في إطار الدعم الذي تقدمه أنقرة لحكومة الوفاق الليبية.
سياسة الانفتاح
وفي إطار خطة واسعة لتعزيز العلاقات مع دول القارة الإفريقية، زار اردوغان على مدى السنوات الماضية، مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان وتشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وأثيوبيا وجيبوتي وكينيا وأوغندا وتنزانيا والنيجر وموزمبيق ومدغشقر وجنوب إفريقيا والغابون ونيجيريا وغانا وغينيا وغينيا الاستوائية والصومال والسنغال وكوت ديفوار.
وتقول الإحصائيات الرسمية التركية إن اردوغان بهذه الزيارات أصبح أكثر رئيس في العالم يزور القارة، وخلال هذه السنوات رفعت تركيا عدد سفاراتها وقنصلياتها في إفريقيا من 12 في عام 2009 إلى 42 سفارة في الوقت الراهن، أكبرها في الصومال. وتخطط لنشر سفاراتها على كامل القارة في المدى المتوسط والطويل، فيما يوجد في أنقرة سفارات لـ33 دولة إفريقية، كما تسير الخطوط الجوية التركية رحلاتها عبر 50 مساراً نحو القارة.
وخلال 15 عاماً من العمل المتواصل، تمكنت تركيا من رفع حجم التبادل التجاري مع الدول الإفريقية من قرابة 5 مليارات دولار إلى أكثر من 20 مليار دولار، وسط خطط لرفع هذا الرقم إلى أكثر من 100 مليار دولار على المدى المتوسط، وأكثر من ذلك على المدى البعيد.
داعم في المحافل الدولية
رأى اردوغان منذ وصوله إلى الحكم ضرورة تعزيز انفتاح تركيا على العالم والخروج من سياسة الانغلاق على الذات التي مرت بها البلاد لعدة عقود، ورأى في الشرق الأوسط وإفريقيا عمقاً استراتيجياً مهماً يجب التعاون معه، وبدأ جهود واسعة للتقارب مع معظم الدول العربية والإفريقية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه تتقلص فرص أنقرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومع تطور طموح تركيا بتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، لا سيما في هيئات الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، شكلت الدول الإفريقية التي عززت معها تركيا العلاقات في السنوات الأخيرة، داعماً أساسياً لهذه الطموحات، وبات لتركيا سند قوي في منظمة التعاون الإسلامي التي ترأستها، وسبق أن تولت منصب أمينها العام بفضل دعم الدول الإفريقية بالمنظمة، وتطمح مستقبلاً لإمكانية حصولها على الدعم الكافي من هذه الدول وغيرها لشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
وتقدم تركيا نفسها إلى إفريقيا بأنها الدولة التي لا تهدف إلى احتلال أو نهب موارد هذه الدول، إذ يقول إبراهيم قالن الناطق باسم الرئاسة التركية: «إفريقيا تستحق المعاملة كشريك متساوٍ على الساحة العالمية»، لافتاً إلى احتياج القارة لـ«السلام، والعدالة، والاستقرار وليس إلى أشكال جديدة من الاستغلال».
ويقول اردوغان: «تربطنا بالأفارقة رابطة أخوة حقيقية»، مضيفاً: «تقرب تركيا من إخوتها الأفارقة ليس تقرب مصلحة من طرف واحد، بل هو علاقات منافع متبادلة تهدف إلى إغناء إفريقيا والنهوض بها»، ويشدد على أن تركيا تتبع مع إفريقيا سياسة «اربح اربح» القائمة على تبادل المنفعة وليس نهب موارد هذه الدول التي يذكرها دائماً بالاستعمار ونهبه لمواردها، مقدماً تركيا كنموذج مختلف.
أهداف اقتصادية
إلى جانب الأهداف السياسية، يحتل الاقتصاد مرتبة متقدمة جداً في أولويات تركيا في القارة السمراء، وترى فيها أسواقاً واعدة وبلاداً تتمتع بقوة بشرية مؤهلة لأن تتحول إلى كنز اقتصادي في المستقبل، حيث تضم القارة 54 دولة يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة، أكثر من 70٪ من سكانها من الشباب، وتتمتع باقتصاد سريع النمو، وموقع جغرافي يحمل أهمية اقتصادية، بالإضافة إلى قربها من منابع الطاقة وممرات نقلها.
وعملت تركيا على إنشاء عدد كبير من لجان الشراكة الاقتصادية مع إفريقيا، أبرزها مجالس عمل مستقلة مع 35 دولة إفريقية، و«منتدى الاقتصاد والأعمال بين تركيا وإفريقيا»، واجتماعات لوزراء الزراعة والصحة وغيرها، ومؤتمر «وزاري تركي إفريقي»، إلى جانب «قمة الشراكة التركية الإفريقية».
وتقدم تركيا دعماً سنوياً لصندوق الاتحاد الإفريقي، كما تقدم دعماً إنسانياً واسعاً في العديد من الدول الإفريقية في مجالات الصحة والتعليم والغذاء، إلى جانب مراكز تعليم اللغة التركية والمنح الدراسية، وتقوم بتطوير المرافق العامة في كثير من الدول، أبرزها الصومال التي بنت فيها تركيا مطارات ومستشفيات وطرقاً وجسوراً.
أهداف عسكرية واستراتيجية
يمكن اعتبار الصومال النموذج الأقرب للأهداف العسكرية التركية من هذا التقارب، فبعد أن قدمت تركيا دعماً مفتوحاً للصومال من أجل محاربة الفقر والمجاعة وبناء مطار ومستشفيات وتعبيد الطرق، عملت على تعزيز قوة الحكومة في مواجهة الجماعات الإرهابية هناك، لا سيما جماعة الشباب المجاهدين.
ومن هذا المنطلق حصلت تركيا على الضوء الأخضر من أجل إقامة قاعدة عسكرية لتدريب قوات الجيش الصومال، لكن هذه القاعدة التي توسعت تدريجياً تحمل أهمية استراتيجية كونها تطل على خليج عدن وتعتبر الصومال بمثابة بوابة القرن الإفريقي، وهي محاولة من قبل أنقرة لوضع قدم في القارة التي تصاعدت التدخلات الدولية فيها في السنوات الأخيرة.
وفي تطور لافت، كشف اردوغان عن أن الصومال قدمت طلباً لتركيا من أجل التنقيب عن الموارد الطبيعية في مياهها الإقليمية.
وبينما كانت أنقرة تخطط لبناء قاعدة عسكرية مشابهة في السودان عبر اتفاقيات واسعة وقعها اردوغان مع الرئيس السابق عمر البشير كان أبرزها تخصيص جزيرة سواكن الاستراتيجية لتركيا، جاء الانقلاب العسكري على البشير ليخلط الأوراق ويعيق هذه الخطط.
ومؤخراً، عززت تركيا تحالفها مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس، وقدمت لها الدعم العسكري غير المباشر في مواجهة الجنرال خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات والسعودية، قبل التوقيع على مذكرة لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا تمكنت من خلالها من مواجهة حلف شرق المتوسط وتعزيز حظوظها في استخراج موارد شرق المتوسط، أعقبتها بمذكرة عسكرية أتاحت لها إرسال قوات عسكرية إلى طرابلس.