الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العائد من اجتماع الناتو الذي عقد بمناسبة 70 عاما على إنشائه كان راغبا بتأكيد عزيمة أنقرة على أنها قوة دولية مستقلة.
وعلقت لورا بيتل أن رسالة أردوغان كانت واضحة، حيث قال إن بلاده تستطيع اليوم شن عمليات لحماية أمنها القومي بدون أن تطلب إذناً من أحد، حيث قال مخاطبا أعضاء المجتمع التركي في لندن الشهر الماضي. وتعلق بيتل أن التصريح هو تعبير واضح ولكنه حازم وعادة ما يعبر عن السياسة الخارجية التي مارسها أردوغان من طرف واضح في السنوات الأخيرة.
في أكتوبر 2019 تحدت تركيا حلفاءها الغربيين وأرسلت قواتها إلى شمال سوريا وضد رغبة الناتو. وبعد شهرين أعلنت تركيا عن عزمها إرسال قوات إلى ليبيا في وقت دعت فيه الأمم المتحدة لاحترام حظر تصدير السلاح إلى البلد المفروض منذ عام 2011.
رغبة تركيا بالحصول على تأثير أوسع في جوارها ليست جديدة، ولكن جرأتها في تحقيق أهدافها أغضبت القادة الأوروبيين والعرب على حد سواء. وقال دبلوماسي أوروبي: “تبدو تركيا هجومية أكثر وأكثر” و”تتراكم الموضوعات فوق بعضها البعض”.
النشاط التركي في الشرق الأوسط بدأ بعد بداية الربيع العربي عام 2011 حيث راهنت على صعود النظام الإسلامي الجديد وقامت بتقديم الدعم لجماعات المعارضة السورية ودعمت الإخوان المسلمين وحكومتهم بزعامة محمد مرسي في مصر. وكانت تركيا تأمل بتدخلها هذا بإعادة تأثيرها على مناطق الدولة العثمانية السابقة إلا أن رهانها فشل، فقد سارعت روسيا لإنقاذ نظام بشار الأسد، وأطيح بنظام مرسي في حركة قادها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الذي حصل على دعم من السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويقول محللون إن نهجاً يفضل التدخل العسكري برز بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة ضد أردوغان عام 2016 وسمحت للزعيم التركي بتقوية سلطته. ومنذ ذلك الوقت شنت أنقرة ثلاث حملات عسكرية منفصلة في شمال سوريا بما فيها العملية التي أثارت الجدل في نهاية العام الماضي ضد الميليشيات الكردية.
وفي الأزمة القطرية وقفت تركيا مع الدوحة في نزاعها من جاراتها وأرسلت بوارج حربية لمنع الشركات الأوروبية من التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط وتحدت الناتو بشراء منظومة صواريخ دفاعية روسية الصنع.
وحاول أردوغان الذي بدأ الأحد جولة أفريقية تشمل السنغال والجزائر وغامبيا توسيع البصمات التركية في أفريقيا.
وكان التحرك المفاجئ للرئيس هو الدخول في المعمعة الليبية الشهر الماضي من خلال إرسال مستشارين عسكريين لدعم الحكومة في طرابلس. واضعا مرة اخرى أنقرة على الجانب المضاد للقوة التي تدعمها السعودية والإمارات. وأسهم التدخل في وضع تركيا على مقعد رئيسي في المحادثات التي استضافتها برلين لحل الأزمة الليبية.
تدخل تركيا أدى لنقد أوروبي وأمريكي وعداء سعودي وإماراتي. ونقلت الصحيفة عن المعلق الإماراتي عبد الله عبد الخالق قوله: “لقد أصبح رأي السعودية والإمارات أن تركيا أصبحت عدوا من نوع ما وقوة هدم”. إلا أن سنان أولغين، الدبلوماسي السابق ومدير مركز أبحاث “إدام” في اسطنبول يقول إنه أصبح “محتوما” أن يعيد أي زعيم لتركيا في السنوات الأخيرة يعيد تقييم مكانها في عالم متغير.
وقال إن الدول الغربية تتحمل المسؤولية في طبيعة التحول الحاد و”انهيار” علاقة أنقرة مع الولايات المتحدة “وعدم فاعلية” أوروبا المطلقة كشريك أمني بديل لتركيا. و”نتيجة لهذا شعرت تركيا أن عليها العمل بنشاط أكثر لمعالجة مظاهر قلقها الأمنية”.
ويرى أولغين أن تركيا تتحمل مسؤولية الخلاف الذي حدث بسبب تراجع الحريات في البلاد والتي أثارت قلق المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين. وهذه “الخلفية المحلية” جعلت من الصعوبة على تركيا التحرك بسهولة وسط تغير علاقاتها الدولية. وأصبحت سياسة أردوغان الخارجية متداخلة مع سياساته الداخلية، حيث حاول الرئيس إثارة حنق القادة الغربيين للحصول على دعم الرأي العام.
وفي الوقت الذي حاولت فيه تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن المسؤولين الأتراك ينظرون إلى أوروبا بنوع من الازدراء ويشكون في إمكانية موافقة بروكسل يوما ما على ضم تركيا إلى النادي الأوروبي. وقال مسؤول تركي غاضبا من بيانات المسؤولين الأوروبيين حول جهود تركيا التنقيب في مياه البحر المتوسط قرب قبرص “لماذا من حقهم اتخاذ القرار؟”. وإن كان هذا الموقف يترك أثره على داخل تركيا، إلا أن جهود أردوغان تظل مقيدة بحاجته لأوروبا كشريك تجاري والاستثمارات الخارجية.
وكان هذا واضحا عندما دخلت البلاد في أزمة اقتصادية بعد فرض الرئيس ترامب عقوبات على تركيا في خلاف دبلوماسي. وتقول إليك توغيور المحللة في المعهد الملكي إلكانو بمدريد: “تقوم تركيا بتنويع شركائها في مجال الأمن والدفاع ولكن ليس في الاقتصاد” و”لو دمرت علاقاتها (مع الغرب) بسبب مصالحها الأمنية أو تحركاتها الفردية فهناك مخاطر لتعريض اقتصادها للخطر”.