تكشّفت مؤخرا حدة الأزمة السياسية بين المملكة المغربية والإمارات العربية المتحدة مع طلب الرباط من محمد آيت وعلي، سفيرها في أبو ظبي، العودة إلى بلاده، وكذلك استدعاء القنصلين المغربيين في دبي وأبو ظبي، وأفرغت سفارتها في أبو ظبي من جميع المستشارين والقائم بالأعمال في تعبير واضح عن غضب ظل مكتوما لفترة طويلة من امتناع أبو ظبي عن إرسال سفير لها إلى الرباط منذ أكثر من عام.
أغلب المصادر التي تحدثت عن الواقعة الأخيرة ربطتها بموقف المغرب من الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017، وعلى أثرها قطعت السعودية والإمارات والبحرين (ومصر)، علاقاتها بالدوحة، وقام المغرب بالموقف المنطقي من دولة عربية وازنة فالتزم الحياد وعرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة، ويبدو أن الضغوط التي مارستها أبو ظبي قد أثمرت عكس المطلوب، فشهدنا قيام محمد السادس، ملك المغرب، بزيارة قطر في نوفمبر 2017.
لم يكن المغرب الدولة العربية الوحيدة التي حاولت احتواء جماح الإمارات ومحاولة فرض رؤيتها على البلدان العربية، وكان المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في 27 مارس الماضي لحظة معبّرة عن اجتماع ضيق المغرب والأردن معاً من محاولة قسرهما للدخول على خطّ الاشتباك مع قطر، وعبّر بوريطة حينها عن «أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية»، تتمثل في أن السياسة الخارجية للمغرب (والأردن بالطبع) هي مسألة سيادية ولا يمكن تجييرها لصالح الإمارات أو غيرها، وفي أن التنسيق مع الرياض وأبو ظبي يجب أن يكون «وفق رغبة من الجانبين»، وألا يكون «حسب الطلب»، وأن يشمل هذا التنسيق «جميع القضايا» في المنطقة العربية، لا أن يخصّص فقط لمعاداة قطر وحصارها.
حسب موقع «مغرب انتلجنس» فإن القادة في الإمارات لا يتفهمون وجود «موقف دبلوماسي متوازن» وأن المملكة المغربية يمكن «أن تقوم بمهام المساعي الحميدة» بينهم وبين القطريين، ولا يرغبون في سماع «صوت الحكمة»، والحقيقة أن هذا توصيف جيّد للمسألة لكنه لا يستطيع أن يحلل المعنى العميق لهذه المواقف الإماراتية التي تتعامل مع دولة ذات إرث سياسيّ طويل ومؤسسات عريقة ذات تاريخ يمتدّ عبر القرون مثل المغرب بغطرسة لا تتناسب أبداً مع حداثة شأنها السياسي.
الإمارات دولة قويّة ومهمة وكان لها شأن مهم في عالم السياسة العربية حين كانت هي نفسها بلدا يسعى لدبلوماسية «متوازنة» ويقوم بمهام «المساعي الحميدة» ويحاول أن يقدّم للآخرين «صوت الحكمة» لكنّ التوازن والحكمة والمساعي الحميدة انقضت أيّامها للأسف مع رحيل مؤسسها زايد بن سلطان آل نهيان وتحكّم وليّ العهد الإماراتي، محمد بن زايد، بمقاليد الأمور، فصارت الغطرسة والتجبّر والطغيان والعدوان هي الكلمات المفتاحية لسياسات الإمارات، وصار مطلوبا من دول ثقيلة الوزن تاريخيا وسياسيا كالمغرب والأردن أن تدور في فلك بن زايد وأن تكون جزءا من حروب الدمار والخراب ومنع أي تجربة ديمقراطية في العالم العربي.
من حق الإمارات، وقادتها، اتخاذ السياسة التي يفضّلون في بلادهم، وقبول هذا الأمر يعني أن تقبل أبو ظبي بدورها أن للدول الأخرى سياساتها الخارجية التي تناسبها.
الخلاصة، أن من يرفض أي شكل من أشكال الديمقراطية في بلاده، فلابد أن يعتبر أيّ رأي يخالف رأيه، حتى لو كان لدولة كبيرة بحجم المغرب، خروجا عن الطاعة يستلزم العقاب.