احتفل اليهود يوم الثلاثاء الماضي بعيد المساخر «البوريم»، وهو عيد ديني تقليدي يعتبره اليهود «عيدا للمتعة والسكر» ويرتدون خلاله أزياء شخصيات لأعدائهم أو خصومهم أو شخصيات مختلفة، وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية من مدينة بني براك شرق تل أبيب صرحت إحدى الإسرائيليات أن ابنها ارتدى زي «فلسطيني يرمي الحجارة»، كما أظهرت الصور الملتقطة من هناك شخصا يرتدي زيّ رجل سعودي فيما طفله يضع قناع «الرجل العنكبوت»، وشبانا بثياب جنود رومانيين وغير ذلك.
وجد أحد المحتفلين الإسرائيليين في موضوع انتشار فيروس كورونا (أو كوفيد 19) مناسبة للتفكّه فلبس ثوبا أصفر يحيل إلى نوع من الجعة الشهيرة التي تحمل اسم كورونا أيضا وهو وباء يتصاعد حصاد منجله حيوات مئات الأشخاص يوميّا، ويزرع الهلع بحيث قامت بعض البلدان بإغلاق حدودها بالكامل وأوقفت التواصل مع العالم الخارجي، فيما ضربت تداعيات الجائحة الاقتصادات العالمية فأفلست آلاف الشركات وهبطت البورصات وصارت حياة وأرزاق وإمكانيات عيش ملايين الأسر، وخصوصا في البلدان الفقيرة، في مهبّ الريح.
وإذا كانت تداعيات هذا المرض خطيرة على الفقراء فإن الأغنياء لم ينجوا منه، فقد خسر عمالقة المال الأكبر في العالم مئات المليارات من قيمة أملاكهم، كما أنه أصاب كبار الحكام والمسؤولين بآثاره، فدخل عدد منهم في الحجر الصحي، كملك النرويج وزوجته وكل أعضاء الحكومة، ورئيس منغوليا، ورئيس وزراء رومانيا، ووزيرة الصحة البريطانية، ووزير الثقافة الفرنسي (و10 نواب برلمان)، ووزير الاتصالات البرازيلي (مع أنباء عن إصابة الرئيس بولسونارو نفسه والذي صرح قبلها إن كورونا هو فبركة إعلامية))، ومحمد علي ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وقبله مسؤولون عديدون، كما نُشرت أنباء عن اختفاء كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية واختبائه في منتجع ساحلي، ناهيك عن وضع فرق رياضية شهيرة كريال مدريد، في الحجر، وإصابة ممثل مشهور كتوم هانكس وزوجته.
وإذا كانت السخرية من الموت والرعب والكوارث تقليدا دينياً في «عيد المساخر»، فإن مساخر سياسية أشدّ فظاعة وتنكيلا انتشرت على هوامش القضية التي تشغل سكان المعمورة حاليّا، فرغم أن الرعب يمكن أن يصعّد معالي التسامي والبطولة والإثرة لدى كثيرين، فإنه، من جهة أخرى، قد يكون مناسبة لقرارات تجانب العقل والصواب، أو ردود فعل تنحطّ بالبشر وتظهر الغرائز العنيفة، فمع ظهور المرض بدأت أشكال من العنصرية الرخيصة تتناول الآسيويين عموما، ثم بدأت تندفع ضد أي «غريب» أو «أجنبي» أو خصم سياسيّ حتى، فرأينا مثلا تبادل البحرين وإيران تهم «العدوان البيولوجي»، وقرأنا اتهامات من مسؤول صيني للجيش الأمريكي بنشر الفيروس ثم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الفيروس «أجنبي» قبل أن يوقف الرحلات من أوروبا إلى بلاده، وكان من هذه «المساخر» المميزة اتهام وزير الأوقاف المصري للإخوان المسلمين بنشر الوباء، وكذلك قيام رجال دين، مثل الكاهن الماروني مجدي علاوي، بالتحليق بطائرة خاصة لمباركة لبنان وحمايته من الفيروس، وكذلك قيام مجموعة من الحاخامات الإسرائيليين بركوب مروحيّة للابتهال للخالق والنفخ في الأبواق لدرء إسرائيل شر كورونا، كما شهدنا دعوات من رجال دين مسلمين لاستخدام الحبّة السوداء والثوم والخلّ، أو لعق إيرانيين لمقام دينيّ لإثبات حصانته على التلوث بالمرض.
يكشف الهلع المعمّم عن مكامن ضعف النفس البشريّة، وهو أمر لا يوفر، كما هو واضح، كبار السياسيين ورجال الدين ولا يميزهم عن المواطنين العاديين باستثناء أن قراراتهم وآراءهم قد تكون خطيرة وتؤثر على عشرات أو مئات الملايين.
لقد أظهر وباء كورونا، ربما للمرة الأولى في العصور الحديثة، أن «عيد المساخر» هو عيد عالميّ، وأن بعض مسؤولي العالم هم أكبر مساخر هذا العيد!