المصطفى المريزق / باحث مغربي
يعد مغاربة العالم القروي وسكان الجبال والواحات والسهوب، ظاهرة اجتماعية بامتياز، مثل باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى، كالمدينة، والهجرة والدين والأسرة والمدرسة؛ وعلى ضوء وباء كورونا فيروس وما أحدثه في العالم من رجات ثورية لا يعرف أي أحد نهايتها، وكما أشرنا في مقال سابق، ولو بطريقة غير مباشرة، لواقع المدن والتحضر في ظل هذا الوباء الفتاك، نريد أن نتحدث اليوم عن المغرب الآخر، الذي ينعت بالعالم القروي، وما قد يشهده من تحولات أجتماعية في سياق الشروط والظروف التي قد ينتجها ويفرزها هذا الواقع الجديد من متطلبات الحياة الاجتماعية.
فرغم التطور الذي حصل في العديد من المدن المغربية، الكبيرة منها والمتوسطة الحجم، لازال مغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات والسهوب، يعيشون في نظام قروي شبه مغلق، يطبعه في غالب الأحيان تضامن ميكانيكي، ويتميز بقيم وعادات تقليدية ومحافظة، مختلفة عن نمط العيش الحضري. بالإضافة إلى تجمعاته السكنية الصغيرة والشبه المتوسطة الحجم، وتجانسه العائلي، ونشاطه الزراعي والفلاحي والرعوي والتجاري الموسمي..
ونحن نتابع تداعيات كورونا فيروس، وانعكاساته على حياة سكان المدن المغربية، وتهديداته الاجتماعية والاقتصادية للبنيات الحضرية والصحية والتعليمية والأمنية ، نريد كذلك أن نلفت الانتباه للشروط الاجتماعية التي يمر منها مغرب الهامش، من أجل حمايته، هو الآخر، من المخاطر المحدقة به، والبحث عن إمكانية توفير الشروط الأساسية لحياة وكرامة ساكنته، ومن أجل التضامن مع همومهم وتطلعاتهم وطموحاتهم…وإسماع صوت نضالهم، من أجل العدالة المجالية والتنمية المحلية والبشرية، و حقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها التعليم والصحة والشغل والسكن اللائق ووسائل الاتصال والمواصلات.
إن الانتقال من الحياة القبلية إلى الحياة الحضرية، كان صعبا وعسيرا على مر التاريخ، واليوم سيكون أصعب، أمام ما يعيشه العالم من تحولات جذرية، قد تعصف حتى ببعض الدول الكبرى، ناهيك عن مخاطر انهيار الاقتصاد العالمي، الذي تحكم في رقاب العالم بشكل مباشر منذ السنوات الأولى لما بعد الحرب العالمية الثانية.
فإذا كان من المفروض أن تتميز الحياة الحضرية، بالواقعية والعقلانية والتفرد والوحدة الإدارية والإقتصادية والسياسية، فإن مغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات، لازالت حياتهم تتميز بالولاء القبلي، وبالفقر والهشاشة، والاستبعاد الاجتماعي، بعيدا عن التضامن الاجتماعي والاقتصادي العضوي.
ولهذا يعتبر الطريق الرابع نفسه معنيا بهذه الوضعية، ويطمح للمساهمة الأدبية والفكرية في البحث عن أدوات وأشكال نمو وتطور هذا الجزء الترابي من مغرب وطننا، الذي يوجد الآن في سكون تام وهدوء حزين، بين الهوية والإدارة من جهة، وبين المحلي والوطني والعالمي من جهة أخرى، بعيدا عن ما يقع في المدن وهوامشها من ضغط وضبط وامتثال فردي وعائلي وجماعي.. باسم القانون والمصلحة العامة، وباسم ما يفرضه وباء كورونا فيروس من حالة طوارئ وحجر صحي يسري على الجميع.