قرر البنك المركزي المصري في بيان له يوم الخميس 3 نوفمبر تحرير سعر صرف الجنيه، حيث سيتم تحديد سعر العملة وفقًا لآليات العرض والطلب، وهو ما يعرف أيضًا بـ “تعويم العملة”. كما أعلن البنك المركزي أنه لا قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات.
الإيكونوميست
وفي إطار رصد أصداء هذا القرار، قالت مجلة “الإيكونوميست” إن قرار “تعويم الجنيه” مقابل الدولار هو أصعب قرار للحكومة المصرية حتى الآن، بعد عدد من الإجراءات التي كانت قد اتخذتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتنامية، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم.
وذكرت المجلة البريطانية في سياق تقرير لها نشرته على موقعها الإلكتروني أنه على مدى شهور استقر سعر الصرف الرسمي عند 8.88 جنيه للدولار، في حين وصل إلى 18 جنيهًا في السوق السوداء.
وأشارت المجلة إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي تراجعت بمقدار النصف تقريبًا؛ بسبب سنوات من الاضطرابات السياسية، وتزايد وتيرة الهجمات الإرهابية، الأمر الذي أضر بمصدري العملة الصعبة الرئيسين: السياحة والاستثمار الأجنبي.
نقص الدولارات ترك الشركات تهرول. وكانت بعض الشركات غير قادرة على شراء الواردات الحيوية، في حين أغلق آخرون خطوط الإنتاج بسبب أزمة العملة الصعبة.
قرار التعويم راق بالفعل المزاج العام في مجتمع الاستثمار ورجال الأعمال. لكن المزاج العام في بقية البلاد أقل تفاؤلًا.
يقول مسؤولون إن هذا الضعف في قيمة الجنيه سيؤدي إلى تفاقم التضخم المرتفع بالفعل، بالإضافة إلى مزيد من الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي تستورد فيه مصر معظم احتياجاتها من السلع الأساسية.
وصلت أسعار العديد من السلع بالفعل إلى معدلات غير مسبوقة. قرار الحكومة يضيف إلى بؤس المصريين، الذين يشعرون بالضيق مع ضريبة القيمة المضافة وارتفاع تكاليف الكهرباء والمعيشة؛ لذلك خيبة أمل الشعب المصري من السلطة الحاكمة آخذه في الازدياد.
وحاولت الحكومة استرضاء الجمهور عن طريق تحديد الأسعار، والاستيلاء على البضائع والسيطرة على صناعات بأكملها. لكن هذا يؤدى إلى تراجع ثقة بعض المستثمرين الأجانب.
ونوهت الصحيفة بأن سياسة مالية ونقدية أكثر مسؤولية يجب أن تخفف بعضًا من هذا القلق، لكن النتائج، لبعض الوقت، من المرجح أنها ستزيد من غضب الجمهور. لذلك فإن الحكومة في موقف شائك.
وأكدت “الإيكونوميست” أن تخفيف البيروقراطية التي تخنق الأنشطة التجارية وتوفير برامج رعاية اجتماعية أكثر كفاءة من شأنهما أن يساعدا المصريين.
وول ستريت جورنال
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن هذه الخطوة تهدف إلى إعادة تداول العملات الأجنبية إلى القطاع المصرفي الرسمي بعيدًا عن السوق السوداء التي استفادت من شهور بنقص الدولار.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه في الأشهر الأخيرة وصل معدل التضخم إلى 14.1٪، وأن ارتفاع الأسعار ضرب الأسر المصرية بشدة، وتصاعدت مؤشرات الغضب في بلد يحكم قبضته على المعارضة.
وذكرت “وول ستريت ججونال” أن المصريين الآن يراقبون قرار خفض قيمة الجنيه بمزيد من القلق. ونقلت الصحيفة عن أحمد فتحي، سائق تاكسي يبلغ من العمر 32 عامًا وأب لطفلين، قوله: “ما يهم بالنسبة لي هو كم سيؤثر ذلك على نفقاتي، لأنها امتدت إلى أقصى حد”، وأضاف “إنهم دائمًا يعملون على خفض الأسعار، لكن لا شيء يحدث”.
ومن جانبه قال تيموثي قلدس، وهو زميل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط “إذا اتخذت الحكومة سلسلة من الخطوات الصحيحة وعملت بشفافية، يمكن لهذه التغييرات أن يكون لها تأثير إيجابي واضح على الاقتصاد المصري”، موضحًا أنه ومع ذلك، فإن الفترة المباشرة بعد هذا القرار ستكون صعبة للغاية بالنسبة للطبقات الفقيرة والمتوسطة في مصر.
بلومبرج
وفي تقرير بعنوان “مصر تعوم عملتها.. ماذا بعد”، وصفت شبكة “بلومبرج” الاقتصادية قرار البنك المركزي المصري بأنه خطوة هجومية تهدف إلى إنعاش اقتصاد المتعثر والوفاء بشرط أساسي لقرض صندوق النقد الدولي.
وحول تحديات قرار التعويم، أكدت “بلومبرج” أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة الهيئة التنظيمية على اجتذاب الناس بعيدًا عن السوق السوداء، وتثبيط اكتناز الدولار وتشجيع الاستثمار الأجنبي من خلال جعل الدولارات متاحة، وبالتالي تتحسن الظروف للنمو الاقتصادي.
ومن جانبه تساءل كريم خضر، من بنك الاستثمار سي آي كابيتال: “ماذا سيحدث إذا لم يستجب السوق؟”، مشيرًا إلى أن الـ 100 مليون دولار المعروضة في مزاد البنك المركزي أمس لا تكاد تكفي لتغطية الطلب على العملة الصعبة.
وأشارت بلومبرج إلى أن ضعف قيمة الجنيه أمام الدولار من شأنه أن يساهم في مزيد من ارتفاع الأسعار وتعميق البؤس في أمة يعاني غالبية سكانها من الفقر والبطالة، وتصارع المعيشة بالفعل مع ارتفاع التضخم.
فايننشال تايمز
علقت صحيفة فايننشال تايمز على قرار “تعويم العملة” قائلة إنه من المتوقع حدوث ارتفاع كبير في أسعار السلع خلال الأيام المقبلة عقب تحرير العملة المصرية، مشيرة إلى أنه رغم اعتبار هذه الخطوة إيجابية بالنسبة للاقتصاد المصري، إلا أنه تستمر توقعات عدم انتهاء أزمة الدولار في السوق المصري واستمرار تقلب أسعار العملات.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن عمر الشنيتي، العضو المنتدب لمجموعة “مالتي بليز” في القاهرة، قوله إن التعويم الحر كان أفضل من استمرار الفجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمي والسوق السوداء. لكن في الوقت نفسه يضيف الشنيتي “الاستقرار والاستثمار لن يحدثا بين عشية وضحاها. الناس الذين اشتروا دولارًا أمريكيًّا بـ 18 جنيهًا لن يبيعوه للبنوك الآن بـ 13جنيهًا حتى مع معدلات فائدة جذابة.. كثير من الناس سوف ينتظرون ويرون ماذا سيحدث في الأيام القادمة”.
كما أشار خبراء اقتصاديون آخرون إلى أن المالية الحكومية ستتضرر من تخفيض قيمة العملة؛ لأن الدولة هي المستورد الرئيسي للسلع الغذائية والوقود، ولديها التزامات وديون بالدولار.
وفي سياق آخر رحب اقتصاديون بقرار تحرير سعر الصرف، حيث قال هاني جنينة، رئيس قسم البحوث في بلتون المالية في القاهرة، إن هذه الخطوة “توقف نزيف الاحتياطيات الوطنية، وستعطي الاقتصاد المتداعي دفعة يحتاجها لتأمين الاستثمار الأجنبي وقرض صندوق النقد الدولي”