يحاول رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فايز السراج، اتخاذ خطوات سريعة للنفخ في روح حكومته بمحاولات علنية كمؤتمر لندن الاقتصادي، وأخرى لم تتمتع بالعلنية المطلوبة، حيث أكدت مصادر ليبية مقربه من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أن المجلس الرئاسي يسعى خلال لقاء لجنة الحوار في دولة مالطا الأوروبية نهاية الأسبوع الجاري بحضور السراج إلى تمرير حكومته الجديدة من خلال إقرار خطة تستهدف تفعيل مجلس النواب بالأعضاء المؤيدين له بموافقة المجتمع الدولي من خلال جلسة تعقد خارج المنطقة المسيطر عليها الجيش بقيادة المشير حفتر، وإعلان الرافضين للحكومة بأنهم نواب مقاطعين ومعرقلين للاتفاق السياسي في الصخيرات.
السراج والحكومات السابقة
تحركات السراج الأخيرة على الساحة السياسية في ليبيا، يحاول من خلالها استثمار آخر أوراقه للمراهنة عليها في انعاش آماله السياسية، وتستمد الورقة قوتها من الدعم الدولي الذي تحظى به حكومة الوفاق، لكنها تبقى بلا قيمة حال لم يمرر مجلس النواب في طبرق حكومة الوفاق رسميًا بالاعتراف بها.
البيت السياسي للسراج غير مرتب حتى اللحظة، حيث تعرض في الآونة الأخيرة لمجموعة من الاهتزازات العنيفة التي قد تهدد البنية التحتية لحكومته؛ فبعد مرور سنة تقريبًا على توقيع اتفاق الصخيرات السياسي في 17 ديسمبر الماضي بين الأطراف الليبية، بهدف إنهاء حالة الصراع وتكوين حكومة وحدة وطنية – الأمر الذي فشل فيه الاتفاق حتى الآن- فالاتفاق لم ينهي حالة الانقسام والعنف والفوضى التي تشهدها البلاد بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، كما أنه أخفق في التصدي لانتشار الميليشيات المتشددة، ومن بينها تنظيم داعش، ما يعطي دلالات ومؤشرات بأن هذا الاتفاق يسير في طريق مجهولة، في ظل التقسيمات السياسية الجديدة للأحزاب والفصائل الليبية وتوزيع أماكن النفوذ على الأرض الليبية.
اتفاق الصخيرات الذي تم إبرامه بموافقة أعضاء من البرلمان الليبي والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته وشخصيات ليبية أخرى برعاية الأمم المتحدة، تنصلت منه مؤخرًا بعض الأطراف التي كانت قد صادقت عليه وإن لم يكن بشكل مباشر، فأفعال المؤتمر الوطني العام الأخيرة تشير إلى أنه أعطى ظهره لاتفاق الصخيرات؛ حيث استولى أعضاء من “المؤتمر” وحكومة ما يسمى بالإنقاذ الوطني، بقيادة خليفة الغويل، أكتوبر الماضي، على مقر المجلس الأعلى للدولة في “طرابلس”، وأعلنوا سيطرتهم على مقار المجلس دون معارك، وبذلك يعود المؤتمر الوطني العام إلى المشهد السياسي، ليعلن هذه المرة مباشرة أعماله مما أسماه مقاره الرسمية، ودعا “المؤتمر” حكومة الإنقاذ الوطني إلى مباشرة أعمالها، غير عابئين بالاتفاق السياسي ومخرجاته، وغير عابئين بأي ردة فعل داخلية أو دولية، ولم يكتف بهذا الحد، بل طالب نظيره في الشرق الليبي “حكومة الثني” بالاجتماع لـ”تشكيل حكومة وحدة وطنية كنتيجة للحوارات السابقة ومطالب الشعب الليبي”.
وفي ليبيا حاليًا ثلاث حكومات تدّعي كل منها الشرعية، ففي الغرب حكومتان؛ “الإنقاذ” برئاسة خليفة الغويل التي انبثقت عن المؤتمر الوطني العام، و”الوفاق الوطني” برئاسة فايز السراج التي نشأت عن اتفاق الصخيرات، وفي شرق ليبيا الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا مؤقتا له، ويرأس هذه الحكومة عبد الله الثني.
وفي حال تحالف الغويل والثني يكون السراج خارج اللعبة السياسية في ليبيا وتطوى معه صفحة الصخيرات، الأمر الذي يحاول السراج منعه، وما قد يدعم محاولاته، وجود خلافات في حكومة شرق ليبيا، حيث تتردد أنباء عن وجود ضغوط قبلية دفعت بعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى إصدار قرار بالتحقيق مع الثني من أجل ممارسة الضغط عليه لإرجاع وزراء كان قد أوقفهم عن العمل.
ويبدو أن الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا تسعى إلى المحافظة على كيانها، فرغم وجود خلافات بين الثني وصالح، إلا أن الأخير شكل لجنة تضم 20 نائبا جميعهم من كتلتي السيادة الوطنية والإصلاح الذي لا يتجاوز تعدادهم عن الخمسين نائبا؛ للتحقيق مع رئيس الحكومة “عبدالله الثنى”، ورغم عدم قانونية هذه الخطوة ورفضها من قبل الثني، إلا أن مراقبين قالوا إنه في حال سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الثني كإجراء دستوري سيجد مجلس النواب الليبي نفسه مضطرا وملزما بضرورة منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني خلال 48 ساعة تفاديا لوقوع البلاد في فراغ تنظيمي، الأمر الذي لا يريده صالح، ما دفعه للالتفاف على الأمر بتشكيل لجنة تحقيق، ما يشير إلى أن حالة المنافسة مازالت قائمة بين مجلس النواب وحكومة الوفاق، وظهرت أيضًا حالة الاستقطاب بينهما عندما استطاع المشير خليفة حفتر المحسوب على الحكومة الشرقية السيطرة على الهلال النفطي مؤخرًا.
كيانات ناشئة جديدة
في ظل احتدام الصراع بين الفرقاء السياسيين في ليبيا والذي زاد من قتامة المشهد في الآونة الأخيرة، ظهرت مؤخرًا مستجدات في المشهد السياسي الليبي؛ حيث أعلنت مدينة مصراته، التي تعد من أكبر الداعمين لحكومة الوفاق، السبت الماضي، عن إنشائها لتجمع سياسي مؤلف من 11 عضوا من نوابها بالبرلمان وأعضائها بالمجلس الأعلى للدولة، وقالوا في بيان لهم، إنهم قرروا تشكيل هذا التجمع “للقيام بأداء واجبهم الوطني في جمع الكلمة وتوحيد الصفوف وإدارة الاختلاف والتنوع الفكري ودعم جميع جهود ومساعي التوافق الوطني والسلم المجتمعي والمصالحة الوطنية لتعزيز وحدة ليبيا واستعادة أمنها واستقرارها وترسيخ سيادتها”.
وتأتي تحركات مصراته في الوقت الذي عاد فيه السياسي السابق ورئيس حزب تحالف القوى الوطنية الليبرالي، محمود جبريل، إلى الواجهة، عبر تصريحات أعلن فيها رفضه للاتفاق السياسي في الصخيرات ومخرجاته، معتبرا، في حديث صحفي، أن “الاتفاق السياسي لعبة لرعاية من يملك القوة على الأرض”، وفي إشارة إلى قبوله بالحسم العسكري، مضيفا: “نحن مع الجيش لأنه أصبح جزءا من أي عملية سياسية باعتراف دولي، ونحن بحاجة له كضمانة في أي انتخابات برلمانية مقبلة”.
من جهة أخرى، عبّر مناوئو حكومة الوفاق، أكثر من مرة، عن دعمهم لتحركات رئيس حكومة المؤتمر السابق في طرابلس، ورغبتهم تشكيل حكومة وحدة وطنية معها، الأمر الذي يشير إلى أن اتفاق الصخيرات أصبح في مهب الريح أقرب من أي وقت مضى، خاصة أن هناك تحركات من قبل دول عالمية وإقليمية تسعى لإنهاء هذا الاتفاق.