بعد تصاعد مواقفها الرسمية المعادية للمصالح العليا للمغرب، ومحاولة تصريف أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
منذ صدور قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء في دجنبر من السنة الماضية، تحاول بعض الأطراف السياسية الرسمية في اسبانيا جاهدة، وتمني نفسها بنشر العديد من المغالطات حول هذا القرار أو إخراجه من سياقه السياسي، وتصدق نفسها من كونها قد تنجح محاولاتها الفاشلة في الضغط على الإدارة الأمريكية للوقوف ضد هذا القرار التاريخي والقانوني والسيادي، ولكن هيهات هيهات.. فهو من القرارات الإستراتيجية التي تجسد الانتصار الديبلوماسي للمملكة المغربية في أبهى صوره وتجلياته.
اسبانيا اليوم، تمر من وضع سياسي داخلي صعب يزيد من تفاقم أزمتها السياسية والاقتصادية، فبعض من سياسييها اليوم، لا يعرفون أنهم يلعبون بالنار، عندما يعتقدون أنهم قادرون على تصريف أزمتهم الداخلية لعدو خارجي، أو افتعال معركة وهمية. فخطورة سكوت بعض السياسيين الاسبان عن الاعتراف بالحقائق التاريخية الرئيسية في ملف الصحراء المغربية، التي من دونها لا يمكن فهم هذه النزاع المفتعل، سيجعل المسؤولين الاسبان يخسرون موعدهم مع التاريخ إن هم تمادوا في غيهم، من أجل الوقوف في وجه المصالح العليا للمغرب، الذي يبقى حليفا استراتيجيا بالنسبة إليهم. فبعض من السياسيين الاسبان يحصرون أنفسهم في زاوية جد ضيقة هذه الأيام، لا تأخذ في الحسبان تعقيدات النزاع ولا آثاره على المنطقة والعالم بأسره، لهذا وجب أن يتراجعوا عن مواقفهم لامحالة.
فالحكومة الاسبانية وعلى رأسها وزارة الخارجية، تحاول استغلال بعث مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة يطلبون فيها من الرئيس الأمريكي جو بايدن، “التراجع عن قرار دونالد ترامب بشأن الصحراء المغربية”، في رسالة موقعة من قبل 13 جمهوريًا و 14 ديمقراطيًا، حثوا الرئيس “على تجديد التزامه بالسعي لإجراء استفتاء على تقرير المصير للشعب الصحراوي” على حد زعمهم.
رسالة بعض النواب الأمريكيين، تدعي على حد تعبيرهم أن “القرار المفاجئ للإدارة السابقة في 11 دجنبر 2020 بالاعتراف رسمياً بسيادة المملكة المغربية بالسيادة على الصحراء المغربية كان قصير النظر، وقوض عقوداً من السياسة الأمريكية المتماسكة وأدى إلى نفور عدد كبير من الدول الأفريقية”. ولقد حاولوا فاشلين، حث الرئيس بايدن، على “التراجع عن هذا القرار الخاطئ وإعادة إلزام الولايات المتحدة بالسعي لإجراء استفتاء على تقرير المصير في الصحراء “، وهي رسالة تأتي للضغط على البيت الأبيض، وتنضاف إلى رسائل شخصيات سياسية ومجموعات برلمانية من أوروبا وبعض الدول، تستغلها إسبانيا لتحاول فاشلة، الضغط سياسيا من أجل إجبار الإدارة الأمريكية الحالية على تراجع عن قرار الاعتراف، إلى جانب الجزائر المساندة لعصابة جبهة البوليساريو، التي تحاول هي أيضا ممارسة نفس الضغوط بعد أن غاضها هذا القرار التاريخي الغير مسبوق.
إن مثل هذه المحاولات السياسية الفاشلة لبعض الأطراف الاسبانية التي فقدت الأمل، في الوقوف أمام المصالح المغربية، تظهر أن المسؤولين السياسيين الاسبان، بدؤوا يتخبطون في مواقف متناقضة وتبخرت أحلامهم في النيل من المصالح الإستراتيجية للمغرب، فهي مواقف سياسية رعناء، تأكد بأن السياسيين الاسبان استسلموا بأن المغرب بات ماض في مقاربته الاستراتيجية التي تصون سيادته على صحراءه، وتعزز انفتاحه الاقتصادي والتنموي، بعدما أصبحت هذه الأطراف الاسبانية متشائمة من تراجع إدارة بايدن عن قرار ترامب، وإن منت نفسها بمثل هذه الرسائل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انتصار الديبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وأن الدولة المغربية ماضية في مقاربته. فتناقضات الحكومة الاسبانية واضحة في هذا الإطار، فقد كانت مدريد تؤكد أنها “تدافع عن العمل من أجل التوصل لحل سياسي عادل ودائم في الصحراء، مقبول من طرف الأطراف على النحو المنصوص عليه في القرارات المتوالية الصادرة عن مجلس الأمن وفي إطار التوافق مع المبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه”، فلا يمكن أن تأتي اليوم لكي تعبر عن نقيض ما تدعيه.
إن مثل هذه المواقف المتناقضة، والمعادية للمصالح العليا للمغرب، التي يعبر عنها السياسيون الاسبان، يخفي في الحقيقة سوء الفهم الكبير الذي تتسم به العلاقات المغربية الإسبانية، والتي وإن كانت مستقرة، لكنها مشوبة بالحذر ومعرضة للتأثر السريع على وقع مثل هذه المواقف العدائية التي تصدر من المسؤولين السياسيين الاسبان، بين الفينة والأخرى، هذه المواقف ذات الحساسية المفرطة التي تكن عداء لمصالح المغرب، وتحاول من خلالها بعض الأحزاب المتطرفة الاسبانية، أن تستغلها للنيل من سيادة المغرب على صحراءه والتي تنهل إما من مرجعية اليسار الراديكالي أو اليمين المتطرف، والتي أعادت الجانب الإيديولوجي إلى الواجهة السياسية دون مراعاة المصالح الاقتصادية وعلاقات حسن الجوار مع المغرب.
إن مثل هذه المواقف الصادرة من السياسيين الاسبان، على وجه الخصوص، تشكل حجر عثرة من أجل تعزيز الاستقرار، بالمنطقة، عندما يحاولون استغلال مواقف أمريكية مناوئة للمغرب، وينسون أن هذا الدعاء يبقى مكلفا لمدريد من الناحية السياسية والديبلوماسية التي من شأنه أن يزيد من المتاعب السياسية التي تتخبط فيها الحكومة الاسبانية، بفعل الأزمة الاجتماعية المتفاقمة هذه الأيام. ففي اعتقادي لا يمكن لأي سياسي عاقل بإسبانيا أن يقف ضد مصالح المغرب، الذي يبقى شريكا سياسيا و اقتصاديا رئيسيا لأوروبا، وبوابتها نحو افريقيا.
وهو الأمر الذي يجعل من مثل هذه التحركات والمواقف الرسمية الاسبانية، لا تجدي نفعا مع إدارة بايدن، خصوصا مع بروز النفوذ المغربي على المستوى الإقليمي، وجاذبيته الاستثمارية، في مقابل تراجع مكانة إسبانيا أوروبيا، بفعل التأثيرات السلبية للأزمة الداخلية الإسبانية، على التوجهات الجديدة للخطاب السياسي الإسباني في الآونة الأخيرة، والتهديدات الواضحة للعيان للوحدة الإسبانية، بعد التطور اللافت لمطالب الانفصال في إقليمي كاطالونيا والباسك. لا سبيل للسياسيين الاسبان في نظري، إلا فتح قنوات الحوار مع المغرب، وتجنب الوقوف ضد مصالحه العليا، أو محاولة الاصطياد في الماء العكر، واستغلال بعض الأحداث السياسية، أملا في النيل مما حققه المغرب من انتصارات ديبلوماسية هامة، لا يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فالمغرب ماض في استراتجيته وتحقيق مكاسبه وتعزيز وصيانة سيادته على كافة أراضيه، فوحدته الترابية أغلى ما يملك، لن يفرط في شبر واحد منها.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط رئيس غرفة التجارة البرازيلية المغربية بالمغرب ، و رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية ، و رئيس جمعية رؤى للتنمية والكفاءات