خلال الأيام القليلة الماضية تناقلت العديد من المنابر الإعلامية خبرا مفاده نقل المدعو إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو إلى إسبانيا بهوية ووثائق مزورة، حيث أثار الخبر استغراب العديد من المختصين و الباحثين في العلوم السياسية و العلاقات الدولية، كما دفعهم إلى التساؤل حول فحوى هذا القرار، و عن وضعية العلاقات الجزائرية الروسية، خاصة وأن إسبانيا لا تعتبر الحليف رقم 1 بالنسبة للجزائر، و لا يمكن الوثوق فيها في قضية حساسة كهذه.
الجواب على كل هذه التساؤلات جاء وفق مصدر خاص لجريدة “الأسبوع الصحفي”، من داخل دهاليز قصر المرادية بالعاصمة الجزائر، حيث أكد هذا الأخير أن خيار التقدم بوضع طلب نقل زعيم البوليساريو إلى مستشفى “لوغرونيو” أمام الحكومة الإسبانية لم يأتي اعتباطيا، بل هو قرار مدروس اقترحته القيادة العسكرية الجزائرية وقابله الرئيس عبد المجيد تبون بالقبول، وتم فيه تغليب المصلحة الخاصة للعسكر أولا دون الاكتراث للاعتبارات الصحية ولا الأمنية ولا القرب الجغرافي من المملكة المغربية.
و أضاف المصدر ذاته، بأنه كان من الممكن أن يتم اختيار نقل المدعو إبراهيم غالي إلى موسكو أو جنيف، حيث تتوفر كل الضمانات للتكتم عن الخبر، ناهيك عن الاحترافية التي تتمتع بها الأطر الطبية هناك، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعامل معهم، فقد سبق أن تم نقل الرئيس الجزائري، هواري بومدين، الذي توفي مسموما سنة 1978 عن عمر ناهز 46 عامًا (وفقًا لبعض الروايات)، إلى موسكو في محاولة أخيرة لإنقاذه، و كذلك الأمر بالنسبة لعبد العزيز بوتفليقة، الذي ترأس الجزائر لمدة 18 عامًا، و الذي تم نقله هو الآخر إلى عيادات متخصصة في فرنسا وسويسرا، حيث تلقى فيها رعاية من الدرجة الأولى.
قرار القيادة العسكرية الجزائرية بتقديم مقترح علاج زعيم البوليساريو إلى الرئيس الإسباني “بيدرو سانشيز”، جاء بعد أن تم استبعاد الخيار الفرنسي من قبل المجلس العسكري الجزائري، بسبب عدم ثقة هذا الأخير في الضمانات الأمنية الفرنسية، وذلك بالنظر للعلاقات الوثيقة التي تربط الرباط و باريس، ناهيك عن كون القضية تتعلق بزعيم حركة مسلحة تقاتل المغرب منذ 45 عامًا، كما أن حكام قصر المرادية لا يريدون التعامل مجددا مع المستشفى العسكري “فال-دي-غراس” الذي يقع في الدائرة الخامسة بباريس، و الذي سبق أن استقبل الرئيس بوتفليقة.
و يؤكد ذات المصدر بأن الخيار الإسباني في هذه القضية، حسمت فيه المخابرات العسكرية الجزائرية المسؤولة عن هذه العملية، كما أنه ليس مستبعدا أن تكون نية الجزائر هي خلق مشكلة سياسية لحكومة “بيدرو سانشيز”، و ذلك من خلال ردة فعل محتملة للرباط، قد تعكر صفوة العلاقة بين البلدين، و ما يؤكد هذه الفرضية هو أن الجزائر العاصمة مارست الضغط على مدريد، بسبب الحجم الكبير للمصالح الثنائية، خاصة في قطاع الطاقة، ناهيك على أن المخابرات الجزائرية استغلت الوضع السياسي الحالي في إسبانيا و أقنعت “بيدرو سانشيز” بأن قبوله لاستضافة إبراهيم غالي، سيكون له الوقع الكبير على مستقبله في الانتخابات المقبلة، حيث سيقنع ناخبي اليسار الراديكالي بأنه يدعم البوليساريو في قضيتهم و يعادي المغرب بشكل غير مباشر.
وحسب المصدر ذاته، فإن هناك عامل آخر لا يجب إغفاله في هذه القضية، و هو ترنح الجزائر في ورطتها مع البوليساريو أمام المجتمع الدولي، حيث سيشكل نقل زعيم الجبهة الانفصالية إلى موسكو فضيحة مدوية و سيتأكد بالملموس أنها هي الراعية للجبهة و المتحكم فيها، الأمر الذي حاولت المخابرات الجزائرية تجنبه عبر اقتسام تبعاته مع إسبانيا، و ذلك من خلال تبريرها للأمر كونه لدواعي إنسانية، كما أنها ستتمكن في نفس الوقت من ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث ستعكر صفو العلاقات الإسبانية المغربية، و ستتخلص من الشخصية العسكرية إبراهيم غالي المبحوث عنه دوليا و المتابع بجرائم ضد الإنسانية، و تعوضه بشخصية مدنية من مخيمات تندوف تكون أكثر ميلًا إلى التركيز على البحث عن حل سياسي لنزاع الصحراء عوض التفكير في المواجهة العسكرية، و في هذا الصدد أفاد المصدر بأن الجزائر العاصمة تدرس عدة اختيارات نذكر منها، عبد الله لحبيب بلال، و عبد القادر طالب عمر رئيس الوزراء الأسبق بالجبهة الانفصالية وسفيرها في الجزائر العاصمة، كما أنه المنسق الرئيسي بين البوليساريو ورئاسة الجمهورية الجزائرية، بالإضافة للبشير مصطفى سيد، الذي يعتقد الكثيرون بأنه لم يعد له أي دور داخل الجبهة، لكن حقيقة الأمر هو أنه ظل لعقود من الزمان على اتصال وثيق بالجنرال محمد توفيق الذي شغل منصب رئيس المخابرات الجزائرية لمدة ربع قرن، والذي عاد مؤخرا إلى الساحة من خلال تحركاته في الكواليس.
بقلم : إسحاق الخاطبي