تحول الملياردير الأميركي دونالد ترامب لمادة للسخرية منذ إعلان ترشحه للرئاسة عن الحزب الجمهوري، فلم يهتم المتابعون إلا بقصة شعره اللافتة للانتباه ولونه الغريب، وزيجاته المتعددة، وطريقة حياته المضحكة، وتصريحات المتسرعة وغير المبالية التي تعكس جهله السياسي وعنصريته من وجهة نظرهم.
لكن حصل ما لم يكن في الحسبان وتحول ملك العقارات دونالد ترامب من رجل مضحك إلى رئيس للولايات المتحدة الأميركية، حتى إن بعضهم يرفض التصديق، ويعتبر أن الأمر ليس سوى مزحة ثقيلة أو كابوس مزعج، والآخرون شبهوه بالخطر الذي سيدمر الولايات المتحدة كما دمر الزعيم النازي أدولف هتلر ألمانيا.
وفي هذا التقرير سنسلط الضوء على السبب الذي جعل البعض يشبه هتلر بترامب، واتهامه بأنه سيكون وبالاً وشؤماً على أميركا، كما كان هتلر على ألمانيا، خاصة فيما يتعلق بموضوع معاداة الأقليات العرقية والدينية والفئات الشعبية.
1- الوصول إلى السلطة
لعبت الديمقراطية دوراً مهما في وصول هتلر وترامب إلى السلطة، فكلاهما أصبحا رؤساء لبلديهما بعد اختيار الشعب لهم عبر صناديق الاقتراع بكل شفافية وحرية، لكن لسائل أن يسأل كيف استطاع كل من هتلر وترامب إقناع الناخبين باختيارهم؟
بالنسبة لهتلر، فهناك عدة عوامل ساعدته على الفوز بالانتخابات الألمانية سنة 1933، أهمها معاهدة فرساي التي وقعتها ألمانيا سنة 1919، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، التي بموجبها تحملت ألمانيا مسؤولية الخسارة، ودفعت تعويضات مالية للمشاركين في الحرب، ما أدى إلى ركود الاقتصاد، وانتشار البطالة، وانهيار البورصة ودخول ألمانيا خاصة والعالم عامة في فترة كساد خانق.
ونتيجة لتلك الحالة فقد الشعب الألماني ثقته في حكومته وعمّ الغضب الشعبي جميع أرجاء البلاد، وقد أتاحت الظروف القاسية التي واجهتها ألمانيا فرصة لهتلر في النجاح بمخاطبة مشاعر الشعب بخطابات دعائية مليئة بالوعود بحياة أفضل، وأنه المنقذ من المشاكل.
أما ترامب، فقد صرحت عارضة الأزياء إيفانكا ترامب السابقة أنه كان يضع خطابات هتلر دائما بالقرب منه، هذا ما يفسر طبعا تشابه أفكارهما حتى إننا أصبحنا نتحدث اليوم عن نسخة أميركية من هتلر الألماني.
وخلال حملته الانتخابية منذ بداياتها سنة 2015 سار ترامب على خطى هتلر، فخطاباته لم تخل أبدا من الشعبوية المدروسة والموجّهة مباشرة لمخاطبة مشاعر الناخبين خاصة الطبقة العاملة من البيض.
حيث لعب ترامب على فكرة خسارة البيض لمكانتهم في الولايات المتحدة، فخاطب مشاعر الاعتزاز بأصولهم والعنصرية لدى بعضهم، مؤكداً أنهم الأحق بحكم بلادهم بعد أن انتهج الديمقراطيون سياسات خاطئة انعكست سلباً على الجنس الأبيض، وإذا استمروا في انتخاب نفس الأشخاص سيتحولون بعد ثلاثة عقود إلى أقلية.
ورفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدانة الجماعة العنصرية المتطرفة مثل منظمة كو كلوكس كلان التي تدافع عن نظرية العرق الأبيض، وتورطت سابًقا في ممارسات عنصرية بشعة تضمنت حرق وصلب أصحاب البشرة السوداء.
ورغم أن خطاباته بدت سطحية بعض الأحيان، إلا أن ترامب نجح في الصمود أمام الفضائح الكثيرة التي طالته وزوجته الحالية، وإقناع الناخبين خاصة البيض بأنه المرشح الأفضل، إذ راهن ترامب على فئة شعبية رأت فيه الملياردير المتربع على عرش القطاع الخاص الذي سيحقق مطالبهم، وها هو يكسب الرهان.
4- هلوكوست هتلر.. وإسلاموفوبيا ترامب
بعد إحكام سيطرته على السلطة السياسية، تمكن هتلر من إقناع الشعب الألماني بأنهم شعب الله المختار، وهو القائد الذي بعثت به الإرادة الإلهية لإنقاذهم ممن يهدد تواجدهم، وعلى رأسهم اليهود الذين اتهمهم بأنهم السبب الرئيسي وراء موجة الكساد الاقتصادي التي اجتاحت ألمانيا والعالم.
فيما بدأ الحاكم النازي بتطويق اليهود والتضييق عليهم وذلك باتهامهم بالخيانة والإرهاب، كما سن قوانين ضدهم تقضي بتجريدهم من جنسيتهم الألمانية، ومن حقوقهم المدنية، كما صادر ممتلكاتهم وأموالهم ومنعهم من دخول المدارس والجامعات وقاعات السينما والمسارح ونوادي الموسيقى والرياضة.
كما منعهم من مواصلة مهنهم، وحدَّ من تقدمهم في الوظائف العليا كالطب والقضاء، فأصبح الأطباء اليهود لا يعالجون سوى المرضى اليهود، كما عمل المحامون اليهود كمستشارين لدى اليهود فقط بعد أن مُنعُوا من دخول المحاكم، كما جرم القانون زواج اليهود واختلاطهم بالأشخاص ذوي الدم الألماني الآري.
وعاشت ألمانيا ليلة مظلمة عرفت “بليلة البلور” بعد أن قُتل مستشار ألماني في باريس على يد متظاهر يهودي، ليرد النازيون بتحطيم محلات وممتلكات ومنازل اليهود، وإحراق المعابد والكتب اليهودية، بعدها أمر هتلر بحشد جميع اليهود في أحياء ضيقة، ما أدى إلى انتحار بعضهم، وموت بعضهم الآخر تدريجًيا جراء ما عايشوه في تلك الأحياء من ظروف غير إنسانية بحرمانهم من الطعام والماء النقي والخدمات الصحية والأدوية والمواصلات العمومية.
وبهدف الانطلاق في تطبيق سياسة التصفية الكلية لليهود، أُسست مراكز ومعسكرات لإبادتهم جميعاً إما عن طريق غرف الغاز أو المحارق أو الاستحمام بالماء البارد في الشتاء أو إطلاق الرصاص بعد اصطفاف كل واحد منهم أمام قبره الذي حفره بيده، قبل أن تقوم القوات الأميركية والإنكليزية عام 1945
بالوصول إلى تلك المعسكرات وتحرير ما تبقى من اليهود خاصة النساء والأطفال.
الأميركي ترامب لم يخف كرهه للمسلمين فقد صرح في عدة مناسبات جماهيرية ولقاءات تلفزيونية بضرورة إغلاق الحدود أمام المسلمين الذين وصفهم بأنهم لا يؤمنون سوى بالجهاد والكراهية، وعدم احترام الحياة الإنسانية.
وكما اتهم هتلر اليهود بتهديد الأمن القومي الآري، اتهم ترامب المسلمين بتهديد الأمن القومي الأميركي، وهو السبب الذي يراه ضرورياً لمنع دخولهم الولايات المتحدة مرة أخرى حال وصوله إلى البيت الأبيض.
الجنس الآري بألمانيا والبيض بأميركا
اتبعت الحكومة النازية سياسة تعقيم العرق الألماني الذي اعتبره هتلر سيد الأجناس، فكان لا بد من الحفاظ على نقاء السلالة والدم الآري، في مقابل القضاء على كل من لا ينتمي إلى هذا العرق، بل القضاء على كل من لا تتوفر فيه المواصفات التالية من بشرة نقية بيضاء يتخللها القليل من الاحمرار وشعر ذهبي وعيون زرقاء وجباه عريضة وأطراف مستقيمة وطويلة.
وأول من كان يهدد هذه السلالة هم الألمان ذوو الإعاقة الجسدية أو الذهنية والمشوهون الذين يعتبرهم هتلر عبئا يعيق تقدم المجتمع الآري، فلجأ الأطباء إلى سياسة القتل الرحيم التي اتخذت أشكالا مختلفة منها إهمال المرضى داخل المستشفيات، ما يؤدي إلى موتهم جوعا أو ألماً، أو استخراج تقارير طبية توصي بأن هؤلاء الأشخاص يستحقون القتل، ويتم ذلك بالحقن، أو بحبسهم في غرف الغاز، وكانت هذه العملية تجرى بطرق سرية للغاية.
كما كان للسود النصيب الأكبر من التعذيب والاضطهاد على يد هتلر، الذي أكد مراراً وتكراراً أنه لا يحق لغير البيض أن يكونوا ألماناً، فدم السود أو الزنوج كما يسميهم هتلر يعتبر دما غريبا لا يحق له أبدا الاختلاط بالدم الألماني الآري، لذلك جُردوا من جنسيتهم الألمانية وأُقصوا من المدارس والجامعات ومنعوا من العمل والانتماء إلى النوادي الموسيقية أو الرياضية، كما اعتقل بعضهم بسبب انخراطهم في صفوف المعارضة، واعتبروا فئران تجارب مثلهم مثل الغجر.
واجتمع ترامب مع هتلر في اضهاده للسود، وتمجيده لجنس واحد يعتبره الأصل الذي يستحق الحياة دون غيره، فقد أكد مراراً على خسارة البيض مكانتهم بأميركا وأنهم سيتحولون لأقلية مع الوقت، فيما رفض إدانة المنظمات العنصرية المتهمة في جرائم ضد أصحاب البشرة السوداء بسبب دفاعها المستميت عن العرق الأبيض.
2- المعارضون أول المُعذَّبين على يد هتلر.. وتصريحات عنصرية من ترامب
وعودة إلى هتلر، فمنذ وصوله إلى السلطة توجه اهتمامه نحو تصفية المعارضين له الذين يمثلون عثرة في طريق سيطرته على العالم، وبهدف القضاء على أي مخالف سياسي له أمر باعتقال مجموعة من الديمقراطيين، وأعضاء النقابات العمالية والشيوعيين الذين اعتبرهم أكبر خطر يهدد ألمانيا إلى جانب اليهود.
وفي كتابه “كفاحي”، يقول هتلر: “الشيوعيون لا ولاء لهم إلا للاتحاد السوفيتي، فهم ليسوا إلا عملاء وخونة”، الشيء الذي يبرر حسب رأيه حظره للحزب الشيوعي الألماني وقمعه لنشاطاته السياسية وقتله لزعمائه في الساحات العامة وتدميره لصفة المعارضة.
ومنذ ذلك الحين أصبح الحزب النازي الذي يقوده هتلر هو الحزب الوحيد الذي يحكم البلاد، باعتبار أن كل المقاعد في البرلمان أصبحت نازية بعد أن أُرسل جميع المعارضين إلى معسكرات الاعتقال.
الغجر أيضاً لم يسلموا من قبضة هتلر الحديدية، فرأى أنهم جنس دخيل على ألمانيا، لذلك كُلف بعضهم بأعمال شاقة حتى الموت، وحُجز بعضهم الآخر في معسكرات خاصة بالأبحاث فكانوا فئران تجارب لعدة عمليات طبية أدت معظمها إلى موتهم.
أما ترامب فقد صدرت عنه تصريحات لاذعة طالت النساء والمهاجرين واللاجئين، وأخرى تمجد أصحاب البشرة البيضاء وتهين السود، إذ تعهد ترامب ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، وذلك لمنع المهاجرين من التسلل إلى الولايات المتحدة الأميركية، حسب وصفه.
كما وصف خلال تصريحاته المكسيكيين بالمغتصبين والمجرمين الذين لا يجلبون معهم إلى أميركا سوى الإجرام والمخدرات، وهو ما أدى إلى نشوب أزمة سياسية مع الجارة الجنوبية المكسيك.
ووعد ترامب أيضاً بترحيل المهاجرين غير الشرعيين ذوي الأصول اللاتينية والإفريقية حال فوزه بالانتخابات، واصفاً الأفارقة بالكسالى محبي الجنس والعنف وبالعبيد الذين يحتاجون إلى عودة الاستعمار من جديد، لأنهم لا يعرفون شيئاً عن القيادة والاستقلال، وقد استفزت تلك التصريحات الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما الذي دعاه إلى إعادة قراءة التاريخ جيداً.
لم تقف وعود ترامب عند ذلك الحد، بل تتالت وعوده الانتخابية إلى أن طالت اللاجئين السوريين الذين استقبلتهم الولايات المتحدة الأميركية، حيث وعد بإعادتهم إلى سوريا حال وصوله إلى كرسي الرئاسة، واتهمهم بالانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية والاختباء وراء قناع اللجوء حتى يتمكنوا من القضاء على الولايات المتحدة كما قضوا سابقاً على أوروبا.
وكانت الولايات المتحدة قد وافقت على استقبال 10 آلاف لاجئ سوري خلال العام المقبل، فهل سيعيق الرئيس الجديد تجسيم هذا الاتفاق على أرض الواقع أم لا؟ هذا ما ستثبته الأيام.
وفي تسجيل مصور له يعود إلى سنة 2005 أهان ترامب النساء من خلال كلام بذيء كان قد تفوه به لمقدم برامج تلفزية قائلاً: “أنجذب تلقائيا تجاه الجميلات، أبدأ على الفور بتقبيلهن لا أستطيع الانتظار، وحينما تكون نجماً فإنهن يتركنك تفعل ذلك، يمكن أن تفعل أي شيء”. وأثارت هذه التصريحات موجة من الانتقادات مما أدى إلى اعتذار ترامب لاحقاً.
الشواذ جنسياً
الشواذ جنسياً من الرجال والنساء أصبحوا أعداء للنازيين بسبب سلوكياتهم المثلية التي اعتبرها هتلر غير مستقيمة وتهدد الثقافة الألمانية، وبما أن علاقاتهم لا تنتج نسلاً يفيد العرق الآري، شنت الحكومة النازية غارات على عدد كبير من نوادي المثليين، فيما تم القبض على الكثير منهم وسجنهم في معسكرات
الاعتقال ثم قتلهم.
وبالنسبة لترامب، فكان فوزه مسبباً للذعر للمثليين والمتحولين جنسياً، إذ يرى بعضهم أن ما جرى إنجازه في عهد أوباما بتقنين وضعهم سيذهب أدراج الرياح بسبب مستشاري ترامب المحافظين المعروفين بمعاداتهم لمجتمع المثليين، بالإضافة إلى الحزب الجمهوري الذي يرى ذات الأمر.
هتلر يعتقل محبي الموسيقى!
حظر هتلر خلال تلك الفترة موسيقى الجاز التي اعتبرها غزواً ثقافياً ومنتجاً من منتجات الزنوج، هدفها إدخال الفساد والبذاءة إلى المجتمع الآري، وقد أدى هذا القمع إلى نشأة حركة مقاومة The Swing Kids تتكون من الأطفال والشباب الألمان البيض، الذين قرروا تحدي السلطات النازية والاستماع إلى موسيقى الجاز، فيما ردت عليهم السلطات باعتقالهم وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، فقُتل بعضهم وكُلف بعضهم الآخر بالعزف داخل غرف الإعدام كنوع من أنواع التعذيب.
معاداة لإيران وفلسطين
خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني حال وصوله إلى البيت الأبيض، الذي اعتبره أنه سيئ جداً بالنسبة لأميركا ولإسرائيل، فهل سيمزقه حقا؟ ما زلنا ننتظر ذلك حتى هذه الساعة.
ولم يهاجم ترامب إيران فقط، بل هاجم كذلك السعودية التي طالبها بدفع ثمن حماية أميركا لها، وهاجم أيضا فلسطين المحتلة متعهداً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، التي يعتبرها عاصمة لإسرائيل، مؤكداً أن الدولة الإسرائيلية يجب أن تستمر في توسعاتها الاستيطانية بالأراضي المحتلة، كما أرسل رسالة خاصة إلى حائط البراق (حائط المبكى) قبل أيام من فوزه لينال الحظ وتتحقق أمانيه على حد تعبيره.