مر أكثر من شهر على تعيين الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران رئيساً للحكومة المغربية بعد إجراء الانتخابات التشريعية التي احتل حزب العدالة والتنمية الإسلامي صدارتها، دون أن يتمكن من الحصول على أغلبية برلمانية.
ولم تنته مشاورات تشكيل بنكيران لتشكيل الحكومة الثانية بعد، في انتظار انتهاء قمة “كوب22” (مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ ) المنعقدة بالمغرب من أجل استئناف المشاورات.
حالة جمود أو “بلوكاج”، كما يسميها المغاربة بالفرنسية، تشهدها مشاورات تشكيل الحكومة بعد الخلافات القوية التي طفت بين الأحزاب المعنية، الأمر الذي ينذر بأزمة دستورية تلوح في الأفق، ويعزز هذا الاحتمال تحدّث رئيسها المعين عبد الإله بنكيران عن أن الحكومة “قد لا تتشكل”.
“بلوكاج” تشكيل الحكومة
بدأت قضية “البلوكاج” في تشكيل الحكومة المغربية الجديدة، حين أعلن حزب التجمع الوطني للأحرار، حليف حزب العدالة والتنمية في الحكومة السابقة، أن قرار المشاركة في الحكومة لن يناقشه قبل تغيير رئيسه آنذاك وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار، وانتخاب عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري (صديق الملك بحسب مجلة جون أفريك الفرنسية ).
ظل رئيس الحكومة المعين من قِبل الملك ينتظر عقد الحزب الحليف مؤتمره الوطني، لتتوالى الأزمات لديه، بإعلان حليفه الآخر حزب الحركة الشعبية بدوره عن ربط مصيره بموقف حزب التجمع الوطني للأحرار.
في المقابل، تمكن بنكيران خلال مشاوراته الأولى، من إقناع حزب الاستقلال بالمشاركة في الحكومة، إلى جانب حليفه حزب التقدم والاشتراكية، غير أنه لم يتمكن من جمع النصاب القانوني لأغلبيته البرلمانية؛ ذلك أنه يلزمه البحث عن 20 مقعداً برلمانياً آخر لاستكمالها، مما دفعه للتفاوض مع الحزب المعارض -الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية- الذي لديه هذا العدد.
غير أن مهمة بنكيران بدت صعبة، خاصة أن زعيم هذا الحزب اليساري وضع شرط رئاسة البرلمان مقابل المشاركة في الحكومة، الأمر الذي اعتبره رئيس الحكومة “ابتزازاً”.
بنكيران يرفض ابتزاز أخنوش
وصول عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، إلى الباب المسدود في مفاوضاته مع الأحزاب السياسية، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، جعل الأطراف الثلاثة توجه انتقادات بعضها لبعض.
مساء يوم الإثنين 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، اختار حزب العدالة والتنمية بث كلمة مسجلة لزعيمه بنكيران في لقاء حزبي مغلق سابق تحدث فيها عن مسار المفاوضات مع الأحزاب، وهي الكلمة التي كشف فيها بنكيران ما كان مستوراً في هذه المشاورات التي يجريها.
وقال بنكيران في كلمة له أمام أعضاء اللجنة الوطنية لحزبه، التي بُثت على الموقع الإلكتروني للحزب: “عزيز أخنوش جاءني بشروط لا يمكنني أن أقبلها”.
وأضاف: “قد نتمكن من تشكيل الحكومة وقد لا نتمكن، مهم أن نشكل الحكومة، هذا شيء مهم للبلد ولحزبنا، ولكن الحفاظ على المبادئ والقيم أهم بكل صراحة”.
وتابع بنكيران: “لن أقبل من أيٍّ كان أن يهين إرادة المواطنين ويتصرف كأنه هو رئيس للحكومة وليس أنا، هذا غير مقبول وغير معقول، الديمقراطية هي هادي: عندك 37 يعني عندك 37”.
هذه الكلمة، اعتبرها الباحث في العلوم السياسية رشيد لزرق تدخل ضمن “تكتيكات ممارسة الضغط”.
ويرى الباحث، في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن بنكيران يرفض”التفاوض الجماعي أو الثنائي الذي عرضه أخنوش بتفاوضه باسمه وباسم (الاتحاد الدستوري)، وأسلوب حزب الحركة الشعبية التي ربطت مشاركتها في الحكومة بموقف (التجمع الوطني للأحرار)، معتبراً أن التفاوض الجماعي يعني أن أخنوش يحاول السطو على منصب رئيس الحكومة”.
أخنوش يرد على بنكيران
لم يتمالك الملياردير المغربي عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أعصابه؛ إذ بادر للرد بشكل سريع على تصريحات رئيس الحكومة، حيث اعتبر في تصريح أدلى به لجريدة “الأخبار” المغربية، في عددها الصادر الأربعاء 15 نوفمبر 2016، تصريحات بنكيران مسيئة إلى مؤسسة رئاسة الحكومة، وعليه ألا ينتظر حزبه (التجمع الوطني) لتشكيل الحكومة طالما يعتبره مريضاً.
وقال أخنوش في تصريحه دائماً: “إذا كنا حزباً معطوباً بهذا الشكل وكان كلامنا مزعجاً ولا يعجب، فلماذا ينتظرنا رئيس الحكومة لتشكيل تحالفه؟!”.
الباحث لزرق، اعتبر أن هذا الرد يدخل في إطار “التكتيك التفاوضي الذي هو سلوك أصيل في المفاوضات السياسية، حيث إن كان بنكيران قد بنى مطالبه على أساس قوته الانتخابية فإن أخنوش بناها على قوة حزبه في التحالف والتفاوض”.
وذهب الدكتور لزرق إلى أن “التجاذبات الحالية هي تجاذبات طبيعية تعكس التطورات التي أفرزتها نتائج الانتخابات، بحيث يتجه الجميع إلى توظيف التكتيك التفاوضي الذي يقوم على التمهل؛ لكون طبيعة هذا النظام الانتخابي الذي يقوم على التمثيل النسبي، يفتح الباب أمام الأحزاب الصغيرة لكي تحصل على قدر كبير من السلطة غير المتناسبة مع حجمها عندما تحتاج الأحزاب الكبرى إلى دعم تلك الأحزاب الصغرى لها من أجل تشكيل حكومة”.
الحكومة والخيارات الدستورية
ترك الدستور المغربي الباب مفتوحاً أمام مختلف القراءات له، خاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة؛ إذ اقتصر بالتأكيد في الفصل 47 منه على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدّر الانتخابات، لكنه صمت في الحالة التي يعجز فيها الرئيس المعين عن تشكيلها.
محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أكد في تصريح لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن ما تعيشه المملكة وفي ظل هذه الأزمة “هناك طرحان: الأول هو اللجوء للفصل 42 الذي ينص على أن الملك هو الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة الاختيار الديمقراطي، وهنا يمكن أن يبرز حل حكومة وطنية، مع أخذ وجهة نظر الحزب المتصدر، وهنا الحل سيكون سياسياً أكثر منه دستورياً”.
أما الطرح الثاني -كما يقول الباحث في القانون الدستوري- فيتمثل في “إمكانية إعادة تفعيل الفقرة الأولى من الفصل 47 مع شخصية أخرى في الحزب المتصدر”، ما يعني اختيار شخصية أخرى غير بن كيران لتشكيل الحكومة من داخل حزب العدالة والتنمية، حسب بودن.
أما بخصوص اللجوء إلى الحزب الثاني على مستوى نتائج الانتخابات لتشكيل التحالف، فأكد أنه “لا يوجد كبديل دستوري في الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور التي تنص صراحة على مايلي: يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها… ومن هنا يمكن أن نستنتج أن خيار اللجوء للحزب الثاني غير ممكن دستوريا”.
وشدد على أن “الفقرة الثانية من الفصل 88 تشير إلى أنه (تعتبر الحكومة مُنصَّبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبَّر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي) ويدل هذا على أن خيار حكومة أقلية غير ممكن، وبالتالي يمكن الذهاب مباشرة إلى حل مجلس النواب كما يشير إلى ذلك الفصل 98، وتعاد انتخابات جديدة في ظرف شهرين على الأكثر من تاريخ الحل كما ينص على ذلك الفصل 97″، مضيفاً: “أعتقد أن تداعيات هذا السيناريو كثيرة جداً وتكلفته المالية والسياسية بارزة، لذلك أستبعده”، حسب قوله.