قال الكاتب الأميركي كورنيل رونالد ويست أن عصر الليبرالية الجديدة في أميركا وصل إلى نهايته بضربة أثارت الضجة من الفاشية الجديدة حيث نجح الانتصار السياسي لدونالد ترامب في تحطيم المؤسسات الحزبية للديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء.
وقال الأكاديمي والعضو البارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأميركي في مقال نشرته صحيفه “الغارديان” البريطانية، انعدام الأمان الاقتصادي وثقافة كبش الفداء لدى الأميركيين ساهمت بشكلٍ كبير في تركيع الليبرالية الجديدة والقضاء عليها.
وأضاف كورنيل الذي يعد أول أفريقي أميركي يحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة برينستون. وقام بالتدريس في جامعتي هارفرد وبرينستون أن فشل الحزب الديمقراطي الذريع في الحديث عن مشاكل الركود وازدياد فقر الطبقة العاملة من الأسباب الرئيسية في إطلاق العنان للمشاعر الشعبية الوقائية الممتلئة بالكراهية والتي تهدد بتمزيق ما تبقى من خيوطٍ هشة للديمقراطية الأميركية.
نص المقال
انتخاب ترامب جاء نتيجة السياسات التي تتغاضى عن معاناة أضعف مواطني الولايات المتحدة. فلنجهز أنفسنا لمستقبلٍ مرعب..
وصل عصر الليبرالية الجديدة في أميركا إلى نهايته بضربةٍ أثارت الضجة من الفاشية الجديدة. حيث نجح الانتصار السياسي لدونالد ترامب في تحطيم المؤسسات الحزبية للديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء –حيث تمسك كلاهما بحكم الأموال الضخمة والسياسيين المثيرين للجدل.
انتهت سلالة الرؤساء أمثال بوش وكلينتون على يد الملياردير المغري للإعلام وشعبيته المضللة، ناهيك عن نرجسيته الفجة وميوله الفاشية القبيحة. كان فوز ترامب الساحق في الانتخابات بمثابة صرخةٍ يائسة معادية للمهاجرين من كل الباحثين عن طريق للخروج من تحت أنقاض نظام الليبرالية الجديدة المتفكك – مجرد حنين لماض وهمي من الشعور بالعظمة.
قام المواطنون الأميركيون البيض من الطبقة العاملة والمتوسطة – مدفوعين بالغضب والألم- برفض الإهمال الاقتصادي لسياسات الليبرالية الجديدة والغطرسة المتعالية للنخبة الحاكمة. ورغم ذلك، قام نفس المواطنين بدعم المرشح الذي ألقى باللوم على الأقليات متهماً إياهم بأنهم سبب لكل المشاكل الاجتماعية، مُعمقاً الشعور بالكراهية ضد المكسيكيين المهاجرين والمسلمين والأفارقة واليهود والمثليين والنساء وحتى الصين.
هذا الخليط الفتاك من انعدام الأمان الاقتصادي وثقافة كبش الفداء ساهم بشكلٍ كبير في تركيع الليبرالية الجديدة والقضاء عليها. وباختصار، كان فشل الحزب الديمقراطي الذريع في الحديث عن مشاكل الركود وازدياد فقر الطبقة العاملة من الأسباب الرئيسية في إطلاق العنان للمشاعر الشعبية الوقائية الممتلئة بالكراهية والتي تهدد بتمزيق ما تبقى من خيوطٍ هشة للديمقراطية الأميركية. وبما أن التصدعات الأكثر خطراً على الولايات المتحدة في الوقت الحالي هي في المقام الأول قائمة على العنصرية والعرقية والتفرقة بين الجنسين ورهاب المثليين والعنصرية الدينية؛ فلنجهز أنفسنا إذاً لمستقبلٍ مرعب.
ما العمل في هذه الحالة؟ في البداية يجب علينا قول الحقيقة، وأول شروط الحقيقة هو السماح للفئة الأكثر معاناة بالحديث.
على مدار 40 عاماً كان الليبراليون الجدد يعيشون في عالم من الإنكار واللامبالاة لمعاناة الفقراء والطبقة العاملة، والهوس بمشاهد النجاح البراقة. ثانياً يجب أن نكون شاهدين على العدالة. ويجب أن نظهر موقفنا من قول الحقيقة واستعدادنا للمعاناة والتضحية ونحن نقاوم محاولات السيطرة علينا. ثالثاً يجب أن نتذكر دائماً النماذج الشجاعة، أمثال مارتن لوثر كينغ جونيور، الذين يوفرون إلهاماً أخلاقياً ومعنوياً وروحياً؛ بينما نشكل تحالفاتٍ متعددة الأعراق لمكافحة الفقر وكراهية الأجانب وجرائم وول ستريت وجرائم الحرب والاحتباس الحراري وانتهاكات الشرطة – من أجل حماية حقوق الحياة المدنية الكريمة والحريات الشخصية.
كان عصر أوباما بمثابة الرمق الأخير من الليبرالية الجديدة. وعلى الرغم من بعض المصطلحات التقدمية والإشارات الرمزية؛ اختار أوباما أن يتجاهل جرائم وول ستريت، كما رفض عمليات إنقاذ مُلاك المنازل، وتجاهل التفاوت المتزايد في اللامساواة بين المواطنين، بالإضافة إلى تسهيل جرائم حرب مثل الطائرات الأميركية بدون طيار التي تقتل المدنيين الأبرياء في الخارج.
وتسبب الهجوم اليميني على أوباما -والكراهية العنصرية له بسبب ترامب– في استحالة الاستماع للانتقادات التقدمية الموجهة لسياسات أوباما. وكان الرئيس متردداً في استهداف قضية معاناة السود، سواءً كان ذلك في السجون المكتظة أو المدارس المتهالكة أو أماكن العمل المتضائلة. وعلى الرغم من ذلك؛ نشاهد احتفاء الليبراليين الجدد بالوضع الراهن في صياغةٍ رمزية ضد العرقية سعياً وراء الإرث الشخصي. وفي الوقت ذاته، يواصل الفقراء والطبقة العاملة من المواطنين من مختلف الأعراق المعاناة في صمت.
هذا يعني أن انتخاب ترامب جاء نتيجة سياسات الليبراليين الجدد أمثال أوباما وكلينتون والتي تجاهلت معاناة أكثر مواطني الولايات المتحدة ضعفاً. وكاد الارتفاع التدريجي لشعبية بيرني ساندرز أن يطيح بمؤسسة الحزب الديمقراطي، ولكن كلينتون وأوباما تدخلا لإنقاذ الحزب والحفاظ على الوضع الراهن. ولا زلت عند رأيي بأن ساندرز كان بإمكانه الفوز على ترامب لتجنب هذه النتيجة الفاشية الجديدة!
وفي هذا الوقت المظلم، علينا أن نلهم بعضنا البعض بآليات الديمقراطية التحفيزية مثل النزاهة والشجاعة والتعاطف والإدراك الناضج للتاريخ – على الرغم من أن ديمقراطيتنا أصبحت على مشارف الضياع.
كما يجب أن لا نغفل الشعوب المنسية التي تتأثر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة – مثل الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو الأفارقة الذين أصبحوا عرضةً لتوسع الوجود العسكري الأميركي.
وكشخص ينحدر من نسل عائلة نجحت في النجاة والازدهار في أشد عصور العبودية وقوانين جيم كرو والإعدام دون محاكمة، فإن الخطاب الفاشي الجديد الذي يتبناه ترامب والعصر الاستبدادي المنتظر تحت حكمه هو بمثابة لحظة قبيحة مظلمة في عمر هذا الوطن تستدعينا جميعاً أن نقدم أفضل ما لدينا ونثبت ما يمكننا فعله.
وبالنسبة لنا في مثل هذه الأوقات؛ فإن الشعور بالأمل هو مجرد تنظير شديد الانفصال عن الواقع. وبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نكون نحن الأمل، ونشارك كقوة للخير بينما نواجه هذه الكارثة