الجزائر تجر المنطقة المغاربية نحو الحرب
في حالة اندلاع حرب في الصحراء، فإنها ستتخذ هذه المرة شكل حرب إقليمية وليس حرب عصابات كما حصل في السابق حين كانت ميلشيات “البوليساريو” تهاجم على حين غرة مواقع القوات المسلحة الملكية، لكن قرار حرب بهذه الخطورة ليس قرارا خاصا بالنظام العسكري الجزائري لوحده، لأن اندلاعها يهدد منطقة شمال إفريقيا حيث يوجد مضيق تمر منه أزيد من 40 في المائة من المبادلات التجارية العالمية، وبها مواقع للنفط والغاز التي تزود أوروبا بحوالي 10 في المائة من احتياجاتها، فضلا عن أنها توجد في مفترق الطرق وفي حاجة دائما إلى الحفاظ على أمنها واستقرارها منعا لتغول الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء التي قد تستغل أي اضطراب لتغذية نفوذها، وأيضا منعا لتدفق أمواج من المهاجرين غير الشرعيين الذين قد تدفعهم الحرب إلى البحث بكل السبل عن الوصول إلى الديار الأوروبية، وربما تكون المأساة أكبر مما حصل في سوريا.
ورغم أن قرار الحرب تتحكم فيه عواصم دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن الأمر يفترض أخذ الحيطة والحذر لأننا أمام نظام عسكري غير عقلاني يمكن أن نتوقع منه أي شيء، ولسنا أمام دولة بمعنى الكلمة تحترم القانون الدولي والمعادلات الإقليمية والدولية وتستحضر المنافع والأضرار معا وتعرف أين توجد مصالحها.
لقد أظهرت التجربة على مدار خمسين سنة الماضية أن الجزائر اتخذت قرارات لم تعد عليها بأي مصلحة لكنها تواصل على نفس النهج، فقد صرفت خلال هذه المدة أزيد من 300 مليار دولار تتضمن ميزانيات التسلح السنوية وكلفة حرب الاستنزاف مع المغرب وميزانية الدبلوماسية الجزائرية لشراء الذمم وابتزاز الدول الفقيرة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهندي من أجل جرها الى صفها الاعتراف بالكيان الوهمي، وذلك كله على حساب تنميتها الاقتصادية وتطوير بنيتها التحتية وغيرها.
نحن أمام نظام عسكري لا يتعامل بعقلانية، لذلك يمكن أن تصدر عنه أي حماقة، بما في ذلك قرار الحرب ضد المغرب، خاصة إذا استحضرنا انشغاله الدائم بالتسلح والذي جعل الجزائر في الصدارة إفريقيا على مستوى الإنفاق في التسلح بأزيد من 46 في المائة، بحسب المعطيات المنشورة من طرف معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” و”غلوبال فاير”، ما يعني أن نصف مقتنيات السلاح في إفريقيا تشتريها الجزائر لوحدها، علما أن المغرب انخرط منذ ازيد من سبع سنوات في مخططات لتحديث قواته المسلحة الملكية من أجل تحقيق الجاهزية المطلوبة.
هناك معطى آخر لا يقل أهمية يتعلق بحجم العداء تجاه المغرب في قصر المرادية، ومن مؤشراته تخصيص الرئيس عبد المجيد تبون حيزا في خطاب تعيينه في دجنبر 2019 لمهاجمة المغرب، في سابقة نادرة الوقوع لرئيس يخصص جزءا من خطاب تنصيبه لمهاجمة دولة أخرى، إضافة إلى التصعيد الخطير في تصريحات رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة وأيضا وزير الخارجية رمطان العمامرة الذي يفترض أن يكون خطابه دبلوماسيا ويحرص على انتقاء العبارات المستعملة، والذي لم يخف عند سؤاله يوم إعلان قطع العلاقات مع المغرب عن الخطوات المقبلة أن “كل الاحتمالات واردة!”.
نضيف إلى ما سبق أن المواقع الرسمية والمعارضة في الجزائر تتحدث منذ قطع العلاقات مع المغرب عن دفع حشود عسكرية ضخمة إلى الحدود مع المغرب، ويعتبر هذا الأمر في حد ذاته عملا استفزازيا يمكن أن يؤدي للحرب، لأن في العالم حين يتم تعبئة القوات على الحدود يكون التوتر قد وصل إلى مرحلة غير مسبوقة مثل ما يقع على الحدود الروسية الأوكرانية اليوم.
يجب أيضا استحضار فكرة أن إشعال الحرب في الصحراء من لدن الجزائر قد يكون محاولة لخروجها من المأزق الداخلي الذي تعيشه والمتمثل في الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد، رغم تسجيل ارتفاع طفيف في أسعار النفط مؤخرا، وذلك انطلاقا من مفهوم قديم عفى عنه الزمن يَعتبر أن الحرب يمكن أن تكون محركا اقتصاديا، بالإضافة إلى نظرية ترهيب الشعب بالعدو الخارجي.
في الجهة المقابلة، يظهر أن المغرب قد حضر مبكرا للأسوأ، وقد أعطى إشارات على أنه يضع الحرب ضمن حسبانه، من بينها تغيير المفتش العام للقوات المسلحة الملكية عبد الفتاح الوراق ببلخير الفاروق الذي قضى سنوات خدمته في الصحراء، وشارك في كل حروب الصحراء، كما أن دعم مجلس التعاون الخليجي الذي أفرد فقرة خاصة في البيان الختامي لاجتماعه الأخير لدعم المغرب، اشارة تحذير لمن يهمه الامر، إضافة إلى موقف الإمارات بإرسال حولي 60 طائرة ميراج 2000 من الجيل الرابع.
ختاما، يصعب التنبؤ باندلاع الحرب في 2022، لكن هذا الخيار يبقى واردا.
بقلم : أحمد نور الدين ، خبير في العلاقات الدولية