تصريح : أحمد نورالدين، باحث في القضايا الدولية والمتخصص في شؤون شمال افريقيا
الازمة الاوكرانية الروسية اظهرت مرة اخرى ازدواجية الخطاب والمواقف الأوربية فيما يتعلق بالنزاعات الدولية وتحديدا من قضايا الانفصال والوحدة الترابية للدول.
فالاتحاد الاوربي اعلن رسميا خلال هذا الاسبوع كما اعلن رؤساء الدول الأوربية كل على حدة، رفض انفصال إقليم الدونباس عن جمهورية اوكراتيا، واعتبر أعلان استقلال جمهوريتي لوغانسك ودونييتسك عملا منافيا للقانون الدولي.
وتبعا لذلك فقد ادان الاتحاد الاوربي انفصال الجمهوريتين لانه اعتداء على وحدة وسلامة اراضي أوكرانيا، كما قرر فرض عقوبات على روسيا بسبب ذلك.
ولكن في المقابل لم نسمع ولم نر خلال نصف قرن من الحرب العدوانية على المغرب ووحدته الترابية، إدانة من الدول الأوربية والاتحاد الأوروبي للنظام الجزائري الذي اعلن من جانب احادي جمهورية انفصالية في الصحراء المغربية.
كما أننا لم نشاهد اي قرار يفرض عقوبات على الجزائر بسبب احتضانها وتمويلها للمشروع الانفصالي وتوفيرها القواعد والمعسكرات والسلاح الثقيل والخفيف لميلشيات الجبهة الانفصالية في تندوف، كما لم نسجل اي عقوبات على الجزائر.
فالدول الأوربية تتعامل اذن بسياسة الكيل بمكيالين مع القانون الدولي ومبادئ ما يسمى بالشرعية الدولية، حسب ما تمليه مصالحها وخططها الاستراتيجية او التكتيكية.
وهذا ينطبق ايضا على روسيا التي تعترف سياسيا وتدعم عسكريا انفصال إقليم الدونباس وجعلت منه جمهوريتين وليس جمهورية واحدة، في حين انها شنت حرب إبادة على جمهورية الشيشان في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين أعلنت استقلالها عن موسكو على غرار باقي الجمهوريات السوفييتية. علما انه لا مجال للمقارنة بين الدونباس كاقليم لم يعرف له وجود ككيان مستقل، وبين الشيشان التي كانت امارة اسلامية قبل احتلالها من طرف روسيا القيصرية، كما انها كانت جمهورية في العهد السوفيتي لها لغتها الخاصة وقوميتها المختلفة عن الروس، ولها تراث وزخم كبير في مقاومة الاحتلال الروسي يمتد لأربعة قرون من عهد الامام شامل الى الرئيس جوهر دوداييف.
وسواء تعلق الأمر بروسيا او الدول الاوربية، فنحن امام وقائع ثابتة ومتكررة تدل على ان الشرعية الدولية والقانون الدولي ما هي إلا عصا بيد القوى العظمى تهش بها على بقية الدول لتبقيها في دائرة التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية لمراكز القرار في الدول الكبرى. لذلك على المغاربة الاعتماد على أنفسهم ووحدة صفهم للدفاع عن سلامة الوطن ووحدة اراضيه.
ومع ذلك فإن على الدبلوماسية المغربية ولو من باب اقامة الحجة او من باب الاحراج، وفي إطار هامش التحرك السياسي المتاح دوليا، أن تطالب الدول الأوربية منفردة والاتحاد الاوربي مجتمعا، بالاتساق والانسجام في مواقفهما تجاه الانفصال، وتبعا لذلك على خارجيتنا وبرلماننا وكل مؤسساتنا ان تطالب نظراءها في الدول الأوربية بإدانة النظام العسكري الجزائري الذي اعلن بشكل احادي كيانا انفصاليا في الصحراء المغربية، في تناقض تام مع قرارات مجلس الامن ذات الصلة، وفي تناقض حتى مع مطلب تقرير المصير نفسه.