عزالدين السريفي
قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم السبت بمراكش، إن الملك محمد السادس لطالما دعا إلى تغليب منطق التنمية لمعالجة قضايا منطقة الساحل.
وأوضح بوريطة، في ندوة صحفية عقب الاجتماع الوزاري التنسيقي بشأن المبادرة الملكية الدولية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، أن المقاربة التنموية كانت دائما وراء كل تحركات الملك، سواء على المستوى الثنائي مع الدول المكونة لهذه المنطقة، أي مالي، وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، أو كمجموعة.
وأكد الوزير أن العاهل المغربي كان دائم الاهتمام بمنطقة الساحل، مسجلا في هذا السياق أنه، ومنذ اعتلائه عرش المملكة، اتخذ قرارات مهمة لصالح هذه الدول يتعلق أهمها بتمكين دول الساحل من إيصال بضائعها إلى المغرب بدون شروط جمركية، وإلغاء كل ديونها.
وبعد أن أبرز أن دول الساحل لطالما اضطلعت بدور تاريخي إيجابي، اعتبر بوريطة أن المقاربة العسكرية والأمنية للتعاطي مع مشاكل دول الساحل مهمة ولكنها غير كافية، مشيرا إلى أن المقاربات التنموية هي الكفيلة بمعالجة المشاكل الحقيقية لهذه الدول.
وفي سياق آخر، أبرز الوزير أن استقرار دول الساحل يتعين أن يكون نابعا من إرادتها لا أن يفرض من الخارج، مشيرا إلى أن هذه الدول لها تاريخها وإمكانياتها ورجالاتها القادرون على بلورة تصورها لمستقبلها.
يشار إلى أن هذا الاجتماع التنسيقي، المنظم بمبادرة من وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، تمحور حول المبادرة الملكية الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي التي تعد امتدادا للجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس من أجل إفريقيا مزدهرة.
وتوفر المبادرة الملكية إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين، والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول الشقيقة وتحسين الظروف المعيشية لساكنة دول الساحل والصحراء في إطار مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار المنطقة وأمنها.
وتم الإعلان عن هذه المبادرة في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، والذي أكد فيه على أن “المشاكل والصعوبات، التي تواجه دول منطقة الساحل لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط؛ بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة”.
الإعلان عن المبادرة جاء في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء
ومن أجل تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، قال العاهل المغربي “نقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”.
وأضاف أن “المغرب مستعد لوضع بنياته التحتية، والطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة تلك الدول دعما لهذه المبادرة”.
وتفتح المبادرة الملكية المجال أمام بلدان الساحل، التي ليس لها منفذ على البحر، للولوج إلى البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمملكة.
وتؤكد هذه المبادرة الملكية الجديدة ذات الأبعاد الإقليمية والدولية أن المملكة لا زالت تولي أهمية كبرى للبعد الإنساني والتنموي المستدام لدول منطقة الساحل، من خلال العمل الدائم على تعزيز التعاون الجريء والمبتكر بما يتماشى مع تطلعات القارة الأفريقية .
وتوجت الزيارات الملكية لبعض بلدان الساحل بالنجاح الكبير، بالنظر إلى العدد الهائل من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون المبرمة بهذه المناسبة، فضلا عن مختلف الإجراءات التي قام بها العاهل المغربي لفائدة الفئات المعوزة في البلدان التي زارها.
المبادرة الملكية تفتح المجال أمام بلدان الساحل، التي ليس لها منفذ على البحر، للولوج إلى البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمملكة
وتجسيدا لقيم التضامن التي يحافظ عليها الملك محمد السادس، بين المملكة المغربية والبلدان الأفريقية الشقيقة، تمّ إحداث مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة، والتي تتولى القيام بمهام إنسانية بالقارة الأفريقية.
كما تم إطلاق العديد من الإجراءات في دولة مالي، ويتعلق الأمر بالمشاريع الملكية لبناء مصحة محمد السادس للرعاية ما قبل الولادة وما بعدها بباماكو والتي تم تدشينها وتسليمها للسلطات المالية يوم 7 يوليو 2022، ومركز التكوين المهني في مجالات البناء والأشغال العمومية والسياحة والترميم.
ويمكن استحضار قرار العاهل المغربي، سنة 2000، والقاضي بإلغاء ديون الدول الأفريقية الأقل نموا وذلك بإعفاء منتوجاتها من الرسوم الجمركية عند دخول السوق المغربية.
وتتميز العلاقات التجارية بين المغرب ودول الساحل بالاستثمارات المباشرة الكبيرة للمملكة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، خاصة عبر الشركات الوطنية والبنوك المتواجدة في الساحة الاقتصادية لتلك الدول.
من جهة أخرى، اتخذ الملك محمد السادس عدة مبادرات لمواكبة بلدان الساحل في مجال التعاون الثقافي.
وكانت هذه الدول من أوائل المستفيدين من التكوينات لتلبية طلبها في المجال الديني، حيث تم التوقيع، في هذا الصدد، على اتفاقيات مكنت من تكوين 500 إمام مالي، و200 إمام نيجيري، و199 إماما تشاديا في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات.
الملك محمد السادس اتخذ عدة مبادرات لمواكبة بلدان الساحل في مجال التعاون الثقافي
وأعطى العاهل المغربي في سبتمبر 2016 تعليماته لإرسال عدة أطنان من المساعدات الإنسانية (أغذية، أدوية، أغطية، خيام، وغيرها)، وذلك عقب الفيضانات التي اجتاحت العاصمة البوركينابية، كما قدم المغرب العديد من التبرعات التي تشمل المعدات الطبية والأدوية لدول الساحل لدعم سلطات هذه الدول الشقيقة في مكافحة جائحة كوفيد – 19.
وفي مجال مكافحة التغيرات المناخية، أولت المملكة أهمية كبيرة لقضية البيئة في أفريقيا، عموما، وفي منطقة الساحل على وجه الخصوص.
وتؤكد قمة العمل الأفريقي، التي انعقدت على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 22)، الذي احتضنته مدينة مراكش سنة 2016، التزام المغرب بالحفاظ على البيئة ومكافحة تغير المناخ. ومن بين الأولويات التي حددتها هذه القمة إحداث لجنة المناخ لمنطقة الساحل.
ويشكل تكوين الأطر، سواء على المستوى الجامعي والتقني أو المهني، الجانب الأبرز من هذه الإجراءات، والجانب الذي أعطى النتائج الأكثر وضوحا مع بلدان الساحل. كما يعتبر المجال لتعاون أكثر استدامة بالنسبة إلى المغرب تجاه شركائه الأفارقة.
وارتفع إجمالي عدد الطلبة المنحدرين من منطقة الساحل، الذين يستفيدون من منح دراسية لمتابعة الدراسة في مؤسسات التعليم العالي العمومية برسم العام الدراسي 2022 – 2023، إلى 741 طالبا من مالي و478 طالبا من النيجر و493 طالبا من بوركينا فاسو و374 طالبا من تشاد.
وتتمحور المساعدة التقنية التي يقدمها المغرب للبلدان الأفريقية، أساسا، حول تبادل الخبرات في عدد من القطاعات، لاسيما الزراعة، والصيد البحري، والملاحة التجارية، والطاقة المائية، والصحة، والتنمية القروية، والصناعة التقليدية، والسياحة، والبنيات التحتية. ويتجلى هذا التعاون بشكل ملموس من خلال إرسال خبراء مغاربة إلى الميدان واستقبال تقنيين وخبراء بالمغرب.
وأولى التعاون ثلاثي الأطراف الذي أطلقه المغرب أهمية خاصة لتنمية الموارد البشرية من خلال العديد من الإجراءات متعددة القطاعات، بالتعاون مع المانحين والممولين الإقليميين والدوليين لفائدة أطر بلدان الساحل، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.
وقال الملك: “الواجهة الأطلسية الإفريقية تعاني من خصاص ملموس في البنيات التحتية والاستثمارات، رغم مستوى مؤهلاتها البشرية، ووفرة مواردها الطبيعية. ومن هذا المنطلق نعمل مع أشقائنا في إفريقيا، ومع كل شركائنا، على إيجاد إجابات عملية وناجعة لها، في إطار التعاون الدولي. وفي هذا الإطار يندرج المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب-نيجيريا”.
وأبرز الملك محمد السادس أن هذا المشروع يبتغي الاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي، إضافة إلى أنه “سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة. وهو نفس التوجه الذي دفع بالمغرب إلى إطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي يجمع الدول الإفريقية الأطلسية الـ23، بغية توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك”.
واعتبر الخطاب الملكي أن المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط، بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة، واقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
“نجاح هذه المبادرة يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي، والمغرب مستعد لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة، إيمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها”، يؤكد الملك محمد السادس.