أكد أحمد نور الدين، الخبير في الشأن الإفريقي والعلاقات الدولية، أن الجزائر تحاول تقليد المغرب واستنساخ مشاريعه وسياسته تجاه إفريقيا.
وقال نور الدين، ان إعلان الرئيس الجزائري عن مسارعة الخطى لافتتاح منطقة للتجارة الحرة مع موريتانيا، هو للاستهلاك الداخلي، بالنظر إلى العوائق المالية والجغرافية التي تقف أمام تفعيله على أرض الواقع.
وتوقف نور الدين عند محاولة الجزائر شراء الموقف الموريتاني من قضية الصحراء، مبرزا قوة ومتانة التعاون الاقتصادي والسياسي بين الرباط ونواكشوط.
قائلا.. : فاقد الشيء لا يعطيه، والجزائر دولة فاشلة اقتصاديا، تعتمد على مداخيل النفط والغاز من العملة الصعبة بنسبة 97% حسب الأرقام الرسمية الجزائرية نفسها. كما أن الحدود بين البلدين بقيت دون أي معبر طيلة ستين سنة من استقلال البلدين، واول معبر على مستوى الشوم تم الحديث عنه سنة 2018 على خلفية التصعيد العسكري الخطير ضد المغرب، والذي صاحبته محاولات الجزائر لقطع الطريق الدولية بين المغرب وموريتانيا بواسطة ميليشيات “البوليساريو”.
وحتى بعد تدشين معبر الشوم بين الجزائر وموريتانيا نهاية 2023، ولد المشروع ميتا لأن هناك ألف كلم من الطريق غير المعبدة وسط رمال الصحراء في تيرس الشرقية، وهي أكبر عائق لأي تطور للتجارة في هذه المنطقة، إذا افترضنا جدلا أن هناك ما يمكن تبادله. كما أن كلفة النقل عالية جدا لأن المسافة بين ميناء وهران ونواكشوط تتجاوز ثلاثة آلاف كلم. مضيفا، ولو كانت الأهداف اقتصادية فعلا كما تزعم الدولة الجزائرية لكانت تونس أولى بإنشاء منطقة للتبادل الحر، نظرا لعامل القرب من كبريات المدن الجزائرية ونظرا لوجود بنيات طرقية وسكك حديدية، وقرب الموانئ الكبرى من الجانبين، بالإضافة إلى حجم السوق وعدد المستهلكين الذي يعتبر عاملا مهما في الاقتصاد ومحددا اساسيا في التجارة الدولية.
لذلك كله يبقى إعلان الرئيس الجزائري عن خلق المنطقة الحرة مع موريتانيا فرقعات في الهواء ومجرد إعلان نوايا للاستهلاك الداخلي، يحاول من خلاله معاكسة المغرب، ويحاول عرقلة الدينامية الجديدة في علاقات المغرب بدول الساحل الأربعة التي اجتمعت مؤخرا في مراكش، لان شريط أقصى الشمال الموريتاني سيكون حلقة وصل رئيسية مع دول الساحل كما كانت طريق القوافل قبل دخول الاستعمار الفرنسي للمنطقة. ولا ننسى أن الجزائر تعيش عزلة في جوارها بعد سحب السفير المالي وبعد الأزمة مع النيجر على خلفية بيان الخارجية الجزائرية، وبعد عودة التوتر مع ليبيا، وهذا ايضا عامل نفسي لفهم تحركات الجزائر التي تتخبط في الخروج من الحصار الذي يطوقها عمليا من كل الجهات.
وفي أحسن الأحوال يمكن اعتبار هذه التحركات الجزائرية محاولة لتقليد المغرب واستنساخ مشاريعه وسياسته تجاه إفريقيا عموما ودول الساحل خصوصا. وهذا في حد ذاته دليل على الانهزام كما يقول ابن خلدون “المهزوم مولوع بتقليد المنتصر”، وهذا ما يمكن للمتابع للشأن الجزائري أن يلاحظه، فهناك استنساخ لكل ما يقوم به المغرب بما في ذلك مفردات الخطاب السياسي، والبروتوكول الرسمي لرئيس الدولة، والرسائل الموجهة من طرف هذا الأخير إلى الشعب على غير عادة واسلوب الحاكمين في هذا البلد، وصولا إلى الإصلاحات الدستورية والقوانين، حتى إن اكبر عدد من الزوار خارج المغرب لموقع الأمانة العامة للحكومة المغربية على الشبكة العنكبوتية، يأتي من الجزائر التي تستنسخ بشكل منهجي مشاريع القوانين وأسماء المؤسسات الرسمية، الخ.
لو كانت الأهداف اقتصادية فعلا فإنه كان من الأولى أن تقيم الجزائر منطقة حرة مع تونس نظرا لوجود سوق استهلاكية تفوق 60 مليون مواطن بين البلدين، ونظرا لتقارب المسافة بين كبريات المدن في البلدين ووجود اقتصاد مهم نسبيا، ووجود بنيات تحتية للنقل، الخ. في المقابل نجد مع موريتانيا كل المؤشرات الاقتصادية حمراء، على رأسها بعد المسافة حوالي 3000 كلم منها 1000 كلم غير معبدة وسط الرمال، مع ما يترتب عن ذلك من ارتفاع لكلفة البضائع وضعف السوق الاستهلاكية مقارنة مع تونس مثلا.
لذلك فأي محلل اقتصادي سيقول بأن الهدف سياسي محض، وفي ظل الظروف الحالية واضح أن الجزائر تسعى إلى استمالة موريتانيا وجرها إلى صفها في الصراع الجزائري ضد المغرب. وأعتقد أن الشعب الموريتاني وقيادته يتمتعان بحصافة وبذكاء سياسي يسمح لهما بالكشف عن تلاعب الجزائر، وأهدافها الانتهازية ونواياها المبيتة.
كما أن الشعب الموريتاني شعب مؤمن بالفطرة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وقد سبق للجزائر أن هاجمت موريتانيا عسكريا بواسطة ميليشيات “البوليساريو” التي قتلت ما لا يقل عن 2000 موربتاني خلال الفترة 1975-1978، وهناك مئات من المختطفين مجهولي المصير إلى اليوم، وقد وصلت العصابات التي انطلقت من الجزائر وبتمويل وتسليح جزائري إلى مشارف نواكشوط وقصفت العاصمة الموريتانية، وهذا تاريخ مؤلم لم يتقادم، ولا أظن مواطنا موريتانيا حرا سيتجاهل هذه الجرائم التي اقترفتها الجزائر في حق الشعب الموريتاني، او ينسى الشهداء والأسرى المختطفين إلى اليوم.
في الختام قال الخبير السياسي، أن المغرب وموريتانيا شعب واحد في قطرين فرقهما الاستعمار الفرنسي بالقوة، ولكن الاستعمار لم يتمكن من إلغاء الامتداد القبلي بين قبائل جنوب المغرب والقبائل الموريتانية، والاستعمار لم يتمكن من تزوير او مسخ التاريخ الطويل الذي يجمع بين دفتي كتاب واحد منذ عهد الأدارسة إلى العلويين مرورا بالمرابطين.
كما أن الحاضر يشهد على قوة هذه العلاقات على كل المستويات والمغرب يعتبر أول مورد وأول مستثمر افريقي في موريتانيا، والمغرب وجهة اساسية للعلماء والطلبة والتجار الموريتانيين، والخط الجوي الرابط بين نواكشوط والدار البيضاء لا تجد فيه مقعدا فارغا على طول السنة، ومعبر الكركرات شاهد على حجم وقوة المبادلات التجارية من خلال قوافل الشاحنات الضخمة الحديثة التي تتجاوز 300 شاحنة يوميا محملة بكل انواع البضائع الفلاحية والصناعية والخدماتية، ويكفي أن نعلم أن واردات موريتانيا من المغرب تشكل 50 % من مجمل الواردات الموريتانية من كل القارة الافريقية.
والمغرب تربطه اتفاقية دفاع مشترك مع موريتانيا منذ السبعينيات من القرن الماضي، وقد تدخل فعلا الجيش المغربي لدعم موريتانيا ضد الحرب بالوكالة التي شنتها عليها الجزائر خلف قناع عصابات “البوليساريو”.
والمغرب كان دائما متفهما للوضع الاستثنائي لموريتانيا، وواثق في ان موريتانيا ستصحح الوضع وتسحب اعترافها بالكيان الوهمي، الذي تم تحت التهديد بالسلاح. والرجوع إلى الحق فضيلة، احتراما للتاريخ المشترك واحتراما للشرعية التاريخية التي تريد الجزائر أن تنسخها وتمسخها ب”شرعية” الاستعمار الذي مزق أوصال المملكة الشريفة. وأعتقد أن الظروف الدولية مواتية لاتخاذ خطوة شجاعة من القيادة الموريتانية، خاصة بعد المراجعة التي قامت بها الدول الافريقية والاوربية والولايات المتحدة، وامام الإجماع الخليجي والعربي والاسلامي على دعم الموقف المغربي، اظن ان موريتانيا أولى بألا تكتم شهادة الحق فهي اعرف الناس بخفايا وحقائق العدوان الذي تعرض له المغرب لفصله عن صحرائه سواء من قبل القوى الاستعمارية او من الجزائر التي تسلمت مشعل المخططات الاستعمارية لغاية خبيثة في نفسها.