عز الدين السريفي
لم يتردد الرئيس الدمية عبد المجيد تبون في آخر ظهور إعلامي له في نفث سمومه تّجاه إفريقيا والمغرب عندما أعلن رسميا رفضه لمشروع أنبوب الغاز بين نيجريا والمغرب. وكشف لسان الحال الذي تحدث بلا وعي المسؤول الجزائري حقدا دفينا عندما أكد دون أن ينتبه أنه يفضل مصلحة الدول الأوربية في التزود بالغاز بدلا من التركيز على مصلحة الدول الإفريقية التي ستستفيد من هذا المشروع. وصف دمية العسكر هذا المشروع بـ “المزيف والسياسي”، وبرر رفضه له بأنه يمر عبر “14 دولة”، تشمل دويلة الوهم التي يحلم بها، ويتطلب مليارات الدولارات، كما يستدعي موافقة كل الدول التي تفصل بين نيجيريا والمغرب.
وفي المقابل وصف تبون مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والجزائر بأنه مفيد لأوروبا أكثر من فائدته للجزائر، التي تمتلك أصلا احتياجاتها من الغاز وما زالت تكتشف مصادر أخرى. ولم يخف الرئيس الجزائري أن هذا الغاز الجزائري والنيجيري سيوجه لتلبية احتياجات أوربا. ماذا يعني هذا الكلام الذي فضح نوايا النظام الجزائري؟ إنه يعني ببساطة أن مشروع أنبوب الغاز الذي تدافع عنه الجزائر يجب أن يكون أساسا موجها لخدمة أوربا وتلبية احتياجاتها، ولا قيمة للدول الإفريقية التي يمكن أن يمر عبرها، لأن الهدف الأساسي هو كسب ودّ الأوربيين والتملّق إليهم بهذه المشاريع لضمان الرضا والدعم من دول الاتحاد الأوربي.
ماذا ستستفيد إفريقيا من مشروع أنبوب الغاز نيجيريا الجزائر؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي كان على الرئيس الجزائري أن يجيب عنه، ويفكر فيه. عندما اقترح المغرب مشروع أنبوب الغاز الذي يربطه بنيجيريا فقد كان همّه الأساسي هو توفير الاحتياجات الطاقية لدول غرب إفريقيا، وتعميم الفائدة التصديرية عليها ومساعدتها على إيجاد حلول جذرية لمشكلات التزود بالكهرباء وغيرها من مصادر الطاقة. ولهذا، اقترح المغرب أضخم مشروع لنقل الغاز في إفريقيا، يمتد على طول 5600 كلمتر، عبر 11 دولة إفريقية، هي بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.
ليس الغرض من ضخامة المشروع وطوله زيادة كلفة الإنتاج والتصدير وإنما تحقيق مصالح الدول الإفريقية أولا وقبل كل شيء. من المفيد لنيجيريا أن تصدر غازها إلى أوربا وتجني من وراء ذلك مداخيل إضافية باليورو، لكن ألا تستحق الدول الإفريقية المجاورة أيضا التنعم بخيرات القارة السمراء؟ هل من المعقول أن تستمر إفريقيا في تصدير بترولها وغازها بينما تغرق العديد منها في الظلام بسبب العجز عن إنتاج الكهرباء؟ هذا الرهان، وذلك الهمّ هو الذي حمل جلالة الملك محمد السادس على التفكير في هذا المشروع واقتراحه. لأنه ينسجم مع رؤيته الشاملة لتنمية القارة الإفريقية، وينطلق من الإيمان المطلق بأن ثروات إفريقيا يجب أن تكون أولا للأفارقة قبل غيرهم. وهذه الفلسفة هي نفسها التي كانت وراء اقتراح مشروع موازٍ يتعلق بتمكين دول الساحل الإفريقي من الاستفادة من الواجهة البحرية الأطلسية.
في المقابل تقترح الجزائر مشروع أنبوب الغاز من نيجيريا إلى الجزائر عبر دولة النيجر، يمتد على طول 4128 كيلمترا. إنه مشروع يقتصر على 3 دول فقط، بمعنى أنه لن يحدث أيّ تأثير اقتصادي معتبر في محيطه الجغرافي والإقليمي، وسيظل مجرد وسيلة لنقل الغاز إلى المواطن الأوربي بأسعار اقتصادية. بعبارة أخرى يزايد تبون على المغرب بتوفير 1472 كلمترا في المسافة المطلوبة لاقتراح مشروع اقتصادي في مصلحة الدول الأوربية التي ستستورد الغاز بأسعار زهيدة بفضل العقلية الجزائرية المناهضة لإفريقيا، والمضادة لمصالحها ومستقبلها. هل كان من الضروري أن ينصّب عبد المجيد تبون نفسه مدافعا عن مصالح أوربا أم مصالح إفريقيا؟ لطالما ادّعى نظام الكابرانات أنه مدافع شرس عن الدول المقهورة والشعوب المسحوقة، وعن دعاوى تقرير المصير والاستقلال والحرية، لكن تصريحات تبون أظهرت أنه مجرد سمسار في سوق استغلال ثروات إفريقيا بأبخس الأسعار. وقد نسي الرئيس الدمية أن الدول الإفريقية لا تريد أن توفر بضع مئات من الكيلومترات لأجل عيون أوربا وتدفئة منازلها، بل تريد أن تعمّ فائدة هذه الثروة على كل دول المنطقة، لخلق نواة تكامل اقتصادي تحتاج إليها دول غرب إفريقيا حاجة ماسة لمواجهة التحديات التنموية التي تواجهها.