عز الدين السريفي
وصل كريم زيدان إلى ثلاثة عقود ونصف من الاستقرار في ألمانيا، خابرا العيش والعمل في مدينة “ميونيخ”، دون أن تنسيه هذه المدّة ما ركمه خلال 20 سنة من النشأة والتكوين في المغرب.
انخرط زيدان في تجربة هجرة بغرض دراسة الهندسة الميكانيكية فوق “أرض الجرمان”، وبلغ موقعا مهما كمطوّر للمحركات بشركة معروفة في قطاع تصنيع السيارات، وفعّل مبادرات لتقاسم خبرته مع أبناء الوطن الأم.
سوق الأربعاء والقنيطرة
ازداد كريم زيدان سنة 1969 لوالدين متأصلين من فاس والقنيطرة، وقد رأى النور في مدينة سوق الأربعاء بمنطقة الغرب، حيث تلقى تعليمه الأساسي والإعدادي، قبل الانتقال إلى القنيطرة في السنة الـ15 من عمره.
“توفّرت لنشأتي في سوق الأربعاء بيئة متأرجحة بين المجال القروي ونظيره الحضري، وفيها أتيحت الاستفادة من ميزة الجانبين. وقد ترعرعت بهذه المدينة وسط إمكانات متواضعة تغطيها طيبوبة السكان، ما أعطاني مكتسبات في التعاون والغيرة الجماعية”، يقول المغربي نفسه.
استهل زيدان مساره الدراسي من ابتدائية السعديين سنة 1975، ثم توجه إلى فصول “الإعدادية الجديدة”. وبتوجيه من الأب، الذي كان يبتغي ابنه مهندسا ميكانيكيا التحق، سنة 1984، إلى التكوين التقني في مدينة القنيطرة خلال الطور الثانوي.
حصل “ابن سوق الأربعاء” على شهادة الباكالوريا سنة 1987، في شعبة الصناعة الميكانيكية، ثم التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ليدرس الفيزياء والكيمياء، وبعد سنتين حاول ولوج المدرسة المحمدية للمهندسين، في العاصمة الرباط، ثم شرع في التفكير بالبلد الذي سيوجه إليه السير صوب المستقبل.
بين الطموح والرضوخ
يتذكّر كريم زيدان ما عاشه خلال آخر عام أمضاه مستقرا في المغرب، متملكا كل التفاصيل عن ذلك، ويبوح: “طموحي الجامعيّ كان مزدوجا حين ارتبط بمدينة ليل الفرنسية، من جهة، ومدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة ثانية”.
ويقول المتحدث ذاته: “صيف سنة 1988 وقعت صدفة جميلة في شاطئ مولاي بوسلهام، إذ التقيت مع سياح ألمان ساعدتهم في حل مشكل، وقد دعوني إلى قصد الديار الألمانية قبل أن أخبرهم بأن لغتهم صعبة عليّ. وحقيقة كنت أتصوّر هذا البلد الأوروبي بطقس بارد وماض نازي يصعّب حياة الأجانب”.
بعد كل ذلك، فوجئ كريم بكون أحد هؤلاء السياح، ممن وافاهم بعنوانه لإبقاء التواصل، راسل باسم زيدان إحدى المؤسسات الأكاديمية الموجودة فوق التراب الألماني؛ وهو ما جعل المستقر في القنيطرة يتوصل بتسجيل قبلي في جامعة “آخْـنْ”.
“جاء كل ذلك في نسق شهد عدم نجاح الالتحاق بأي مؤسسة للتعليم العالي في فرنسا أو أمريكا، ليتبقى لديّ، دون رغبة ملحة مني، إمكانية خوض التجربة المنشودة وسط المجتمع الألماني”، يستحضر المغربي عينه.
حظيت الوزارة المنتدبة المكلفة بالاستثمار والسياسات العمومية بأهمية بالغة بين وزارات حكومة عزيز أخنوش خلال السنوات الماضية، حيث بصم محسن الجازولي على أداء جيد في إطلاق وتدبير مجموعة من المشاريع التطويرية، أبرزها الميثاق الجديد للاستثمار، قبل أن يترك الكرسي للتجمعي كريم زيدان، في التعديل الحكومي الجديد، ليستغل المهندس الميكانيكي قدراته التنظيمية والتدبيرية في كبريات الشركات العالمية خلال سنوات هجرته في ألمانيا، والخبرة السياسية التي اكتسبها بالمغرب، في الإقلاع بالاستثمار نحو مستوى جديد يتلاءم مع طموحات المملكة التي تستعد لاستضافة حدثين رياضيين مهمين: كأس أمم أفريقيا في 2025 و”مونديال 2030″.
ويعتبر زيدان من “البروفايلات” المميزة في التعديل الحكومي الجديد، إذ أعاد الثقة إلى المدرسة العمومية، فهو نتاج خالص لها، انطلاقا من المستوى الابتدائي والإعدادي في سوق أربعاء الغرب حيث رأى النور في 1969، وصولا إلى الجامعة بالقنيطرة.
لكن قبل ذلك، حصل على باكالوريا في الصناعة الميكانيكية سنة 1987، ثم التحق في المرحلة الجامعية بشعبة الفيزياء والكيمياء، قبل أن يتجه لإتمام دراسته في الهندسة الميكانيكية في ألمانيا سنة 1989، محملا بطموحات وأهداف واضحة، قادته إلى كبريات الشركات الألمانية والعالمية، على رأسها “بي إم دبلفي”، الرائد العالمي في مجال صناعة السيارات، التي شغل فيها مهمة مهندس ميكانيكي لسنوات.
وإلى جانب إنجازاته المهنية، لم ينس زيدان بلده الأم، إذ أسس شبكة الكفاءات المغربية الألمانية (DMK) في ميونيخ، التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين المغرب وألمانيا، ودعم اندماج المغاربة في المجتمع الألماني.
كما اضطلع بدور فعال في تقديم المبادرات التي تهدف إلى نقل الخبرات إلى الوطن ودعم التنمية المستدامة فيه، فيما بزغ اهتمام المهندس الميكانيكي بالسياسة منذ سنوات طويلة، مدفوعا برغبة عميقة في إحداث تغيير إيجابي، إذ انخرط في العمل الجمعوي منذ بداياته في بلاد المهجر حيث سعى إلى تحسين ظروف عيش المغاربة داخل الوطن أو خارجه، وآمن بضرورة تكامل خبرات المغاربة في الخارج مع مجهودات التنمية في المملكة.
ومع تعيينه وزيرا منتدبا مكلفا بالاستثمار والسياسات العمومية، يتوقع من كريم زيدان أن يلعب دورا محوريا في تعزيز الاستثمار بالمغرب، وسيسعى من أجل ذلك إلى استخدام خبرته وكفاءاته، انطلاقا من إيمان كبير بإمكانية الكفاءات المغربية في المهجر على التمركز شريكا أساسيا في تحقيق التنمية، فيما سيراهن على تجربته في الهجرة من أجل تحفيز استثمار مغاربة العالم في بلدهم، والتجاوب مع الإكراهات والتحديات التي يواجهونها، عما أنهم من بين أهم مصادر العملة الصعبة، ورقما صعبا في معادلة المبادلات الخارجية.