المسؤول عن النشر و الاعداد
في أحد سبوت شهر ماي 2007، التقيت كريم زيدان في برلين، وتحديدا في إقامة سفير المملكة المغربية في برلين آنذاك السيد رشاد بوهلال. ضم اللقاء 34 شخصا من الكفاءات المغربية في ألمانيا، رجالا ونساء. لقاء كان بمثابة النواة الأولى لتأسيس شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا (DMK).
كان كريم شابا وسيما ببذلة داكنة، وشعر رطب، وابتسامة لا تفارق محياه. تكلم في يومها عن عمله في “بي إم دابليو”، عملاق وفخر صناعة السيارات الألمانية. كان يتكلم بثقة كبيرة في النفس، وبين الفينة والأخرى يرمي مستملحة؛ منها مثلا: “جينا من المغرب على باب الله، وها نحن أطر في كبريات الشركات الألمانية”. وأضاف: “إذا فتحتم محركات “بي إم دابليو” ستجدون عليها أسماء مغاربة بصموا تاريخ هذه الشركة”.
قصة كريم هي قصة شاب نقش في الصخر بكل ما أوتي من قوة وعزيمة، ليرسم لنفسه طريقا لم يكن سهلا ولا مستقيما. آمن بقدراته وإمكانياته، ودافع عن اختياراته بحججه وابتسامته وهدوئه أيضا. لا حاجة إلى التذكير أن كريم ابن الشعب الذي خرج من رحم اليومي المغربي، بكل آماله وآلامه. إنه تلميذ نجيب للمدرسة العمومية، سواء في سوق الأربعاء حيث تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، أو في القنيطرة التي احتضنت طموحه ثانوية عبد المالك السعدي وأقسام داخليتها. يشار إلى أن مؤسسة عبد المالك السعدي كانت خزانا كبيرا مر منها العديد من الأطر المغربية. هناك عرف بولعه بدروسه، وشعبة العلوم التقنية، وبكرة القدم. وهناك ترك انطباعا جيدا وسط أترابه وأساتذته بجديته وأناقته أيضا. ترعرع كريم وسط أسرة متواضعة ويتوسط إخوته العشرة، حيث والده الحاج قاسم الذي كافح من أجل أسرته قبل أن يستقر به المطاف في مدينة القنيطرة حيث كان ممثلا وموردا لإحدى شركات المشروبات الغازية في منطقة الغرب.
بعد حصوله على الباكالوريا سنة 1987، حاول كريم الالتحاق بإحدى مدارس المهندسين في المغرب؛ لكن الحظ لم يحالفه، والتحق برحاب الجامعة. غير أن طموح هذا الشاب الغرباوي كان أكبر من ذلك، وعقد العزم من أجل مواصلة شغفه الدراسي خارج المغرب. وكانت فرنسا هدفه الأول؛ غير أن الصدفة غيّرت طريقه بعدما أقنعه بعض الألمان الذين أرسلتهم الأقدار إلى حياته بضرورة إكمال دراسته في ألمانيا.
هكذا، وجد نفسه في مدينة آخن الألمانية، غرب البلاد التي لم يكن غريبا هناك. ولهذه المدينة قصة طريفة مع مدينة القنيطرة، إذ كان أغلب الطلبة المغاربة يقطنون في السكن الجامعي بشارع ريتشرشتارسه 175ـ 177 الذي أطلق عليه المغاربة اسم المملكة، بعدما قام أحد الطلاب المنحدرين من مراكش بتعليق العلم المغربي على نافذة غرفته.
وجود الكثير من أبناء القنيطرة دفع أحد القائمين على مصلحة الشؤون الطلابية إلى الاعتقاد بأن القنيطرة دولة وليست مدينة. في هذه الظروف عاش كريم زيدان فترة آخن. وككل الطلبة المغاربة من الجيل الذهبي الذين وصلوا إلى ألمانيا في فترة التسعينيات، لم يكن لأحد منهم منحة أو دعم مالي من الأسرة، بل كانوا يعتمدون على أنفسهم في تدبير أمور حياتهم. يدرسون وأثناء العطل يهيمون في أرض ألمانيا الواسعة، خاصة إلى المدن الصناعية بحثا عن عمل.
كانت ميونخ نقطة جذب كبيرة للطلبة المغاربة، نظرا لانتشار المصانع ووجود مطار استراتيجي يوفر فرص عمل كثيرة. كان أغلبهم يقطن عند الأصدقاء أو يكتري غرفة بأسعار رمزية في سكن الطلبة أولمبيا تسانتروم؛ بل منهم من يقضي الليل متجولا في القطارات بعد تأمين تذكرة لمدة شهر بسعر رمزي هو الآخر، وقد يبيت أحدهم في الشارع أو داخل صندوق الهاتف العمومي.
هكذا بدأ كريم زيدان يتنقل هو الآخر إلى عاصمة بافاريا التي استهوته وجذبته. هناك بدأ حياته الجديدة بتأسيس أسرة واستكمال مساره الجامعي إلى أن تخرج كمهندس في الهندسة الميكانيكية، بالرغم من هذه الظروف غير السهلة، بل هي ربما ما شكلت محركا أساسيا لهؤلاء الطلبة لتعزيز شغفهم العلمي من جهة ورصد معارفهم وكفاءاتهم خدمة لبلدهم الأصل؛ وهو ما دفع بعضهم، وكريم زيدان أحدهم، إلى تأسيس شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا، هذه التجربة الفريدة والغنية التي وضعت على عاتقها بناء جسر بين ألمانيا بلد العيش والمغرب بلد الأصل.
بعد تأسيس الشبكة في مارس 2009، ترأس فريق الابتكار والسيارات وربط جسورا مهمة مع المغرب. كما حاول مد جسور التعاون بين شركة بي ام دابليو والمدرسة المحمدية للمهندسين، إذ وضعت الشركة محركين جديدين للسيارات وآليات أخرى رهن إشارة طلبة المدرسة في تخصصات السيارات. وظل كريم متحمسا في عمله ومهامه داخل الشبكة إلى سنة 2015، ليتحمل مسؤولية رئاستها.
تجربة الهجرة بالنسبة لكريم زيدان هي تجربة كل شاب مغربي، تحولت من إقامة مؤقتة إلى إقامة دائمة. وكما يقول هو في أحد منشورات الشبكة: “جئت إلى ألمانيا للدراسة. كانت فكرتي آنذاك أن أذهب إلى ألمانيا للدراسة وأن أدرس لمدة ست سنوات وأعود إلى المغرب للعمل والعيش هناك؛ لكن الست سنوات أصبحت أكثر من ثلاثة عقود”. كان هذا هو السؤال الذي يؤرق كريم وزيدان وعدد من الكفاءات المغربية المقيمة في ألمانيا وهو كيف يمكن لهم رد جزء من دين المغرب عليهم، ليجدوا في الشبكة جوابا شافيا لذلك. كل أصدقائه يجمعون على أن الشخص يتميز بطيبوبته وكفاءته وحبه الشديد لتقديم المساعدة.
ولربما شكلت كل هذه العناصر مكونات نجاحه في مجال عمله وتطوعه في شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا، سواء من خلال العمل على نقل الخبرة إلى المغرب أو تعزيز العلاقات بين البلدين.
طبعا، الحياة ليس دائما مسرات وأفراح ونجاحات، هناك أيضا لحظات هشاشة تجعل المرء حزينا. كانت إحداها مع كريم عندما فقد والدته الحاجة فَاطْمة. كان كريم أثناء مرضها يتنقل كثيرا بين ألمانيا والمغرب لرعاية والدته، وقد عرف عنه مدى قربه الكبير إلى والديه. لذا، لي اليقين أنه سيقف عند قبرهما في لحظة مناجاة وتباه بما حققه هذا الطفل الآتي من رحم المغرب. لدي فضول الصحافي أيضا أن أعرف كل ما دار في خلده في اللحظة التي تلقى فيها خبر تعيينه وزيرا.
كل هذه التجارب ستساعد كريم زيدان على بذل الجهود من أجل أن يؤدي مهمته الوزارية بكل أمانة ونكران ذات. إنه واحد من أبناء مغاربة العالم الذين حفروا في الصخر، للمساهمة في إغناء فسيفساء الهجرة المغربية في أرض الله الواسعة، ويعودوا إلى هذا المغرب الذي تعلمنا منه جميعا معنى أن يكون المرء إنسانا بقلب مغربي وعقل عالمي.