عز الدين السريفي
شهد المغرب خلال بداية الألفية الثالثة وثيرة متسارعة في انجاز مجموعة من الاوراش الكبرى والتي شملت مجموعة من الميادين الثقافية والاجتماعية والعمرانية والاقتصادية …، وقد انعكست هذه الدينامية التنموية وبدرجات متفاوتة على مجموعة من المدن المغربية سواء منها الكبيرة أو الصغيرة والمتوسطة، لكن الملفت للانتباه أن إقليم الخميسات عموما وعاصمته مدينة الخميسات على وجه الخصوص لا يزالا بعيدين عن هذه الدينامية، ولا تزال مختلف مظاهر التهميش والهشاشة تلقي بظلالها الكئيبة على كل مناحي الحياة بهما . الأمر الذي يستدعي معه ضرورة طرح أسئلة عريضة من قبيل: لماذا استفادت مجموعة من المدن من إمكانات الدولة في إنجاز أوراش تنموية حقيقة بينما بقي سؤال التنمية بالخميسات مؤجلا الى إشعار غير معروف ؟ من المسؤول عن هذه الوضعية ؟ وماهي الفرص الممكنة للنهوض بورش التنمية المحلية بالمدينة؟
لا بد في البداية من الإقرار بأن إنجاز التنمية المحلية مسؤولية تتقاسمها مجموعة من الأطراف وبدرجات مختلفة، حيث يسود تمثل لدى الرأي المحلي بأن المجلس الجماعي للمدينة هو المسؤول الوحيد عن التنمية المحلية حضورا أو غيابا ، وهو أمر غير صحيح. دون أن ينفي ذلك المسؤولية الكبيرة للمجالس المنتخبة في إنجاز تنمية محلية مستدامة، منطلق سوف يقودنا الى استنتاج، وهو أن هذا التمثل حول دور المجالس المنتخبة ليس عفويا ، بل هو جزء من رؤية ناظمة تسعى الى استدامة حالة الركود التي تعرفها المدينة من أجل تحقيق مجموعة من الاهداف، لعل محاولة استجلاء خلفياتها النظرية كفيل بالإجابة عن سؤال أسباب غياب التنمية المحلية بالمدينة.
لماذا توقفت التنمية بالإقليم، ولم يعد له غير الفتات ومشاريع صغيرة- إن وجدت- أوجزءا من برامج وطنية (باتت قاب قوسين أومصيدة للكثيرين..، في غياب الرؤية الواضحة محليا والتنزيل السليم، والتكوين والمواكبة والمراقبة اللازمين)؟.
لماذا لا يستفيد أهل المنطقة من تجاربهم “السلبية” الماضية، سواء مع منتخبين كبار وصغار، أومع مسؤولين إداريين، أومع أسماء سياسية..، حتى بقيت الوجوه “المحروقة” تعيد إنتاج ذاتها وتُسَوِّق فهمها وصورتها بالألوان وتجثم على قلوب المواطنين لسنوات..؟.
ما هي القيمة المضافة التي قدمها القابعون في مواقع المسؤولية، وهو يتوصلون ويتابعون شكايات الناس المكتوبة والمصورة (بالصوت والصورة) في مجال تدخلهم و”تخصصهم”، دون ردة فعل منهم، رغم أن مقولة “كم حاجة قضيناها بتركها” لم تعد مفيدة أمام تناسل الوقائع والإشكالات، وهو ما بات يُترجَم في ظهور مظاهر اجتماعية غير مرغوب فيها؛ كالانتحار، والإدمان والتعاطي للممنوعات، والتطرف بأشكاله، والجرائم بأنواعها، و”السمسرة” واستغلال النفوذ، وتشجيع الفساد..، فمتى يستبدل هذا النوع من المسؤولين؟.
ألم يحن الوقت للحد “الجذري” من مظاهر الفوضى واحتلال الملك العمومي، ليس فقط من طرف الباعة الجائلين و”الفرَّاشة” -المغلوب على أمرهم والباحثين عن لقمة العيش الحلال- ولكن من طرف بعض أصحاب المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم..، الذين يستفيدون من علاقات إدارية “منحرفة”؟.
متى سيتم استغلال المشاريع المنتهية أشغالها، وماذا وفّرت الجهات المعنية من ظروف لحسن استعمالها، على سبيل المثال: مشاريع أسواق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بكل من تيفلت (حي الأمل وزنقة المهندس) وبالخميسات (أسواق الخضر والفواكه والملابس)..؟
متى ستُستغل المؤهلات السياحية المتنوعة وتدور عجلة السياحة بالمنطقة؟. ومتى سيتم الإعتناء بالبيئة والقطع مع أشكال الفوضى المنتشرة في عدة نقط سوداء بالإقليم، خاصة المطارح العشوائية للنفايات المنزلية وبقايا المقالع والبناء..، ومشاكل التطهير السائل التي تؤرق الساكنة وتهدد سلامتهم الصحية..، وغياب الإعتناء والتهيئة بالفضاءات الطبيعية (ضاية الرومي، وادي بهت…)؟
وما نصيب الإقليم من المشاريع الكبرى؛ ومنها النواة الجامعية، خاصة بعد أن انزاح مُعرقلها الأساسي (وزير التعليم العالي عبد اللطيف الميراوي المعفى مؤخرا، وهو الموضوع الذي سبق أن كتبنا حوله بعنوان “باي باي النواة الجامعية بالخميسات..” بتاريخ 29 نونبر 2023). ثم المستشفى الإقليمي الذي لاتزال أشغاله متعثرة، وهو الآخر سبق أن كتبنا حوله مرارا وكان آخرها الشهر الماضي، بتاريخ 16 شتنبر 2024 بعنوان “مستشفى الخميسات المنتظر قد يرى النور بتدخل الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة”.
وما جديد خط السكة الحديدية، المنتظر عبوره من الرباط إلى مكناس مرورا بمدينتي تيفلت والخميسات، والذي سمعنا عنه الكثير ولا نعرف، لحد الآن، تفاصيله التي لازالت من أسرار “الكبار”؟
وارتباطا بموضوع المتابعات والمحاسبة الجارية لعدد من الأسماء من عالم السياسة والإدارة، هل ستسير الأمور كما ينتظرها المواطنو/ات فتتم معاقبة “الفاسدين” و”لصوص” المال العام والمتسببين في تردي أحوال الإقليم، بما يناسب حجم “جرائمهم” وبما يرد الاعتبار للمنطقة ككل، ويعطي المثل، ويقطع مع عهد التجاوزات غير القانونية ويصون الحقوق الفردية والجماعية؟.
هل حان الوقت لتأهيل شامل للمراكز القروية التي يعاني الكثير منها من خصاص بنيوي ونقص حاد في بنيتها التحتية الأساسية. وإطلاق برامج متكاملة لفك العزلة عن عدد من الدواوير عبر إصلاح الطرق المدمرة وإنشاء أخرى جديدة. وتوفير مرافق الخدمات خاصة الصحية منها؟
وفيما يخص قطاع الصحة، هل هناك برنامج واضح المعالم وقابل للتنفيذ في زمن معقول يجيب على انتظارات الساكنة وينهي معاناتهم من الانتظار والخصاص المسجل في الموارد البشرية والتجهيزات اللازمة (في مختلف المراكز الإستشفائية والصحية والمستوصفات)؟
وعن الشغل؛ إلى متى سينتظر الشباب والشابات فرص الشغل بمنطقتهم عوض الرحيل والمغامرات في أقاليم أخرى؟. وهل هناك حصة معقولة لهن/ن في منطقة التسريع الاقتصادي أوالمنطقة الصناعية المتواجدة بتراب جماعة عين الجوهرة بدائرة تيفلت؟
ألم يحن الوقت لتعزيز المصالح الأمنية بما يلزم من الموارد البشرية واللوجستيكية الكافية وذات الكفاءة للحد من انتشار الجرائم خاصة ترويج المخدرات والمهلوسات والمسكرات التي تؤثر على سلوكات العديد من الشباب وتدفعهم للانحراف؟
وهذه أسئلة من مجموع ما يدور في الساحة الخميسية (الإقليم)، منها ما سبق وأن كتبنا حولها ولازالت على حالها..، ولازلنا ننتظر التغيير الإيجابي على أرض الواقع، كأبناء الإقليم وغيورين على تغيير أحواله للأحسن المنتظر..