عز الدين السريفي
مع تعيينه وزيرا منتدبا مكلفا بالاستثمار والسياسات العمومية، يتوقع من كريم زيدان أن يلعب دورا محوريا في تعزيز الاستثمار بالمغرب، وسيسعى من أجل ذلك إلى استخدام خبرته وكفاءاته، انطلاقا من إيمان كبير بإمكانية الكفاءات المغربية في المهجر على التمركز شريكا أساسيا في تحقيق التنمية، فيما سيراهن على تجربته في الهجرة من أجل تحفيز استثمار مغاربة العالم في بلدهم، والتجاوب مع الإكراهات والتحديات التي يواجهونها، عما أنهم من بين أهم مصادر العملة الصعبة، ورقما صعبا في معادلة المبادلات الخارجية.
داخل قاعة بنواحي مدينة ديسلدورف الألمانية، حيث نُظّم مؤتمر للقاء حزب التجمع الوطني للأحرار بالجالية المغربية بأوروبا شهر يونيو 2019، كنت أتابع يومها باهتمام كبير مداخلات المشاركين، بمن فيهم أعضاء المكتب السياسي للحزب، وعلى رأسهم رئيسه السيد عزيز أخنوش وكذا منسق الحزب بألمانيا السيد كريم زيدان. مؤتمر طغى فيه، كعادة المؤتمرات التواصلية، خطاب التذكير بما استُحسِن من نشاطات الحزب و توجهاته المستقبلية. تلك لحظات كانت كافية لتُثير فضولي حيث خطفتُ بضع دقائق من وقت السيد رئيس الحزب عزيز أخنوش، وأدركت حينها غاية فطنته في تحديد مسار حديثه مع مُحدّثه طال هذا الحديث أو قصر؛ حيث كان وقت دردشتي معه كافيا ليوصل إليّ فكرة أنه “لا مناصّ من استدراك إشراك الكفاءة المهاجرة في تعزيز المشهد السياسي ودعم التنمية الاقتصادية للبلاد”.
ولأمانة الرسالة، لم أعقد حينها أي أمل على أن فكرة السيد الرئيس قد تكون وعدا صادقا إلى درجة أننا سنرى يوما ما واحدا من كفاءات المهجر يتقلد حقيبة وزارية في حكومة رئيس الحكومة الحالية السيد عزيز أخنوش، إلى حين استفقنا على خبر تعيين السيد كريم زيدان وزيرا منتدبا للاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية.
هذا و قد تجعلنا حزمة من المعطيات من باب الإستقراء و التحليل نرى في السيد كريم زيدان الوزير الجديد كأحد البروفايلات الوازنة التي قد تخلق الاستثناء داخل المشهد الحكومي بعد التعديل، من منطلق محيط تكوينه و مكسب مهني وازن لما يزيد عن 35 سنة تجربة في الديار الألمانية و ثقافة الإنضباط و التفاني في العمل و ريادة القيادة الإدارية و أسسها.
اختيار السيد كريم زيدان ككفاءة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج لتولّيه مهامّ أهمها الإستثمار لم يكن عبثا؛ حيث يعتبر الوافد الجديد رجل سياسة شَغَل لما يقرب ثمان سنوات رئاسة تنسيقية حزب التجمعيين كتمثيلية بألمانيا، كان قد أكمل دراسته الجامعية تباعا لنظام تعليمي ألماني يقوم على دمج الجوانب النظرية بالتطبيقية، مما يضمن للطالب والمهندس لاحقاً الإلمام باختصاصه من جميع الجوانب. كما أنه تشبّع بمنطق ربط المنصب بمبدأ التكوين المستمر للكفاءة المتخصصة، داخل سوق عمل ألمانية يتوافد عليها سنويا نحو مائة ألف مهندس ومتخصص في العلوم الطبيعية، قادمين من الجامعات والمعاهد التقنية الألمانية والتي يزيد عددها على المائتين موزعة على مختلف مدن ألمانيا، البلد الذي يشكل قطاعه الصناعي 26 بالمائة من مجموع الإنتاج الاقتصادي،
وبحكم تجربته الطويلة في ميدان تسيير المشاريع و القيادة الإدارية، فإن السيد كريم زيدان يدرك تماما أن المنتج الألماني يجد نفسه اليوم أمام منافسة دولية شرسة، خاصة من قِبَل المنتجات المصنعة في الدول الآسيوية، حيث تكاليف اليد العاملة منخفضة بشكل مهول. ولم يعد يكفي تقديم منتج بجودة عالية يحمل علامة ر”صنع بألمانيا”ر فحسب، وإنما باتت الشركات مجبرة على تقديم قائمة حلول من بينها فتح فروع استثمارية لها في أسواق استراتيجية تضمن لها الحفاض على وزن تسويق منتوجاتها و مبيعاتها داخل هذه الأسواق؛ كما أنه لا ريب في أن السيد زيدان يعلم ملِيّا ان الساسة في بلد تكوينه العلمي يدركون بدورهم أهمية نجاحات شركات بلدهم و ريادتها العالمية، ولهذا خصصوا سبعين مليار يورو لمجال التطوير والأبحاث. وهي ميزانية تزيد عن ميزانيات الدول الأوربية الأخرى؛ مما يفسر مدى الأهمية الذي يحضى به المستتمر الألماني داخل مختلف الأسواق العالمية الساعية إلى تطوير اقتصادها من خلال جلبها للإستثمار الخارجي، الشيئ الذي قد يدفع بالسيد الوزير إلى جعل جلب الإستثمار الألماني على قائمة اهتمامات وزارته.
هذا و لا شك و أن نشاطاته السياسية في بلاد المهجر و خصوصا خلال الفترة التي شغل فيها منصب منسق تمثيلة الجهة 13 بألمانيا لحزب التجمع الوطني للأحرار، و منه مُثُله على منابر مؤتمرات و ملتقيات دولية مكنته من إيصال كثير من الرسائل التي جعلت المهتمين يستقرؤون من خلالها مدى قدرات الرجل و أهليته على القيادة الإدارية السليمة، حيث كان دائم الإشارة في خطاباته إلى حتمية القدرة على التغيير لضمان الاستمرارية، تغييرٌ يستوجب التفكير جيدا في كيفية القيادة في بيئة تعجّ بالأفكار وبيئة قبلت بشبكة الإنترنت كشرط أساسي للمعاملات وتبادل المعلومة في عهد السرعة؛ ما يتطلب مهارات مجموعة بكاملها لا القائد لوحده، مهارات تعتمد على الأفكار وكفاءة العاملين واحترام قيّم العمل، حسب قوله؛ مع العلم ان السيد كريم زيدان تقلد مناصب عُليا في شركة ألمانية رائدة في صناعة السيارات و كما كان يستحضر في حديثه خلال موائد مستديرة جمعته بزملائه من الكفاءات المغربية في أنحاء العالم، أن أكثر الشركات نجاحا أقلها هرمية وأكثرها ارتباطا بالأهداف العامة والتقليل من إشراك الرئيس أو المدير في اتخاذ قرارات سيرورة العمل الاعتيادي. كما كان يرتكز في تعريفه بسياسة تدبير الشركات على أهمية السرعة والمرونة في التسيير، دون نسيان عنصرَي الشفافية والثقة. ولعلّ أهمّ المحطات في المسار المهني للسيد زيدان هي شركة صناعة سيارة رBMWر ، الشركة نجحت في تغيير نمط تسييرها باعتماد نموذج – نظّم، وابتكر، وفوّض -. كل الشركات المعاصرة التي لازالت قائمة ما كان لها لتستمر لو لم يفهم مدراؤها مبكرا أن المنافسة تزداد ضراوة نتيجة عولمة الأسواق واختيار مقراتها، والرساميل، والعمالة وتكنولوجيا المعلومات الحديثة.. ما كان لهذه الشركات أن تستمر لولا إدراك هؤلاء المدراء أن النجاح يستلزم بنية مرنة كشرط للتجاوب السريع مع متطلبات عملائها.
ونختم مقالنا هذا بشهادة السيد رئيس الحكومة في حق وزيره المنتدب الجديد، حيث قال في إحدى خرجاته الإعلامية أن “السيد كريم زيدان هو أولا رجل سياسة، ثانيا هو حامل لتجربة كبيرة في القيادة الإدارية و إدارة المشاريع الكبرى، الشيئ الذي يزيل الشك من اليقين على أنه، أي السيد زيدان، سيقوم بمهامه داخل وزارته على أحسن وجه لتجعل منه وزيرا ناجحا”.
كل هذه التجارب ستساعد كريم زيدان على بذل الجهود من أجل أن يؤدي مهمته الوزارية بكل أمانة ونكران ذات. إنه واحد من أبناء مغاربة العالم الذين حفروا في الصخر، للمساهمة في إغناء فسيفساء الهجرة المغربية في أرض الله الواسعة، ويعودوا إلى هذا المغرب الذي تعلمنا منه جميعا معنى أن يكون المرء إنسانا بقلب مغربي وعقل عالمي.