تشهد الساحة المصرفية في موريتانيا تطورات بارزة مع اقتراب مجموعة التجاري وفا بنك المغربية من الاستحواذ على فرع البنك الفرنسي “سوسيتيه جنرال” في نواكشوط، الذي كان معروضًا للبيع منذ عدة أشهر، فيما تشتد المنافسة الشرسة بين عدة مؤسسات مالية محلية وإقليمية تسعى لتعزيز حضورها في السوق الموريتاني والاستيلاء على الصفقة المذكورة، التي تأتي في سياق استراتيجية المجموعة الفرنسية لإعادة هيكلة عملياتها على المستوى العالمي، والتركيز على أسواق محددة ذات أولوية بالنسبة لها سيما بعدما اشتد الخناق عليها في البلد.
ويعد فرع Société Générale في نواكشوط، الذي تأسس عام 2007 ويضم نحو 9 وكالات وحوالي 200 موظف، أحد الركائز الأساسية في القطاع المصرفي الموريتاني، بحيث جذب اهتمام العديد من الهيئات المالية الكبرى في موريتانيا، التي خاضت منافسة حادة لشراء الأسهم المعروضة، مما أدى إلى ضغط متزايد على البنك الفرنسي الذي قرر في نهاية المطاف الخروج من السوق الموريتانية عبر بيع حصته.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر مالية موريتانية أن المنافسة الشرسة أثرت بشكل كبير على الوضع المالي للمؤسسة، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بيع أسهمها، فيما وخلال الأشهر الأخيرة، تزايدت الدلائل على أن التجاري وفا بنك المغربي هو أبرز مرشح للظفر بالصفقة، نظرًا لما يتمتع به من حضور قوي ومتين في السوق الموريتاني، حيث عمل على تأسيس شبكة من الفروع التي نمت بشكل تدريجي لتلبية احتياجات الزبائن المحليين.
وبحسب المطلعين على السوق، يُعتبر التجاري وفا بنك في وضع جيد لتلبية متطلبات الصفقة، خاصة بالنظر إلى خبرته الطويلة في المنطقة واستراتيجياته التوسعية التي تستهدف تعزيز نشاطه في غرب إفريقيا، فيما يُتوقع أن تسهم هذه الخطوة، في حال إتمامها، في زيادة حصته السوقية وتعزيز قدرته على تقديم خدمات مصرفية تلبي احتياجات مختلف فئات العملاء في موريتانيا.
في المقابل، تُشير المصادر ذاتها، إلى أن السوق الموريتاني يشهد في الآونة الأخيرة تغيرات هيكلية تعكس ديناميكية الاقتصاد المحلي، إذ يعتمد القطاع المصرفي في البلاد على مجموعة من الفاعلين المحليين والدوليين الذين يسعون لتطوير البنية التحتية المالية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، فيما يمثل فرع Société Générale في نواكشوط قيمة مضافة لأي جهة تستحوذ عليه، حيث يضم قاعدة عملاء متنوعة وشبكة من العلاقات المالية التي تراكمت على مدى سنوات من العمل.
ومع ذلك، تُضيف المصادر المسؤولة الموريتانية التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها في تصريحها الذي خصّت به “الصحيفة” أن تفاصيل الصفقة لم تُعلن بعد، فيما يبقى الإعلان الرسمي بشأن الجهة المستحوذة مرهونًا باستكمال الإجراءات القانونية والتشغيلية اللازمة، غير أن المفاوضات الجارية بحسبها حول هذه الصفقة تدخل ضمن سياق أوسع يعكس تطلعات العديد من المؤسسات المالية الدولية لتوسيع نطاق أعمالها في إفريقيا.
ويُنظر إلى موريتانيا كإحدى الوجهات الواعدة نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الاقتصادية التي تتيح فرصًا متعددة للنمو، كما أنه ومع استمرار التطورات، يبقى سوق المال في موريتانيا في حالة ترقب للإعلان النهائي بشأن هذه الصفقة التي قد تعيد تشكيل خريطة القطاع المصرفي المحلي، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الفاعلين الماليين في المنطقة.
ودخل التجاري وفا بنك السوق الموريتانية في عام 2008، ومنذ ذلك الحين تمكن من تأسيس شبكة واسعة من الفروع، بمعدل يصل حاليًا إلى نحو 10 فروع تغطي المدن الكبرى مثل نواكشوط ونواديبو، وهو اليوم واحدًا من البنوك الرائدة في البلاد، حيث يقدر عدد عملائه بحوالي 60,000 عميل فردي وتجاري.
ومن حيث الأصول، يتجاوز إجمالي الأصول التي يديرها البنك في موريتانيا 1.5 مليار دولار أمريكي، مما يعكس قوته المالية وقدرته على التأثير في السوق المحلي، كما يعد من بين المؤسسات المالية الأكثر نشاطًا في تقديم القروض والتمويلات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث يمثل تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 40% من محفظة القروض، ويسجل التجاري وفا بنك نموًا ثابتًا في إيراداته، حيث شهد العام الماضي زيادة بنسبة 12% في الإيرادات مقارنة بالعام الذي قبله، مما يعكس تحسن أدائه المالي والقدرة على التوسع في سوق مصرفي تنافسي.
وفي دجنبر 2023، كان البنك المركزي الموريتاني، قد أوقف مؤقتًا مشروع استحواذ شركة “كوريس” القابضة على 95.5% من الأسهم التي يملكها فرع البنك الفرنسي “سوسيتيه جنرال” في موريتانيا، وذلك نتيجة الضغط الكبير الذي مارسته جماعات الضغط المالي المحلية التي عارضت بشدة عملية بيع الفرع المذكور، مما أدى إلى تعليق الصفقة بشكل مؤقت.
وكان رجل الأعمال البوركينابي إدريسا ناسا، مالك شركة “كوريس” القابضة، قد زار موريتانيا في بداية شهر يوليوز من نفس العام، حيث عقد لقاء مع رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني في محاولة للحصول على ضمانات بشأن استكمال عملية بيع الفرع المصرفي، ورغم التعقيدات في السوق الموريتاني، سعت الشركة لتحقيق صفقة تاريخية في منطقة غرب إفريقيا.
وفي الوقت نفسه، حصلت شركة “كوريس” القابضة على موافقة الهيئة التنظيمية المصرفية لمنطقة سيماك في تشاد استحواذها على فرع سوسيتيه جنرال في هذا البلد، وذلك في إطار استراتيجيتها التوسعية في إفريقيا، كما منحت اللجنة المصرفية لوسط إفريقيا (كوباك) الموافقة المبدئية لإعادة شراء الأسهم البالغة 67.8% التي يملكها بنك سوسيتيه جنرال في رأسمال فرعه التشادي، مما يعكس تحولًا إيجابيًا للشركة في منطقة إفريقيا الوسطى.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة في السوق المصرفي الموريتاني، يتضح أن مشروع استحواذ شركة “كوريس” القابضة على فرع “سوسيتيه جنرال” في موريتانيا قد واجه صعوبات قانونية نتيجة الضغط الكبير من الجماعات المالية المحلية، ما دفع البنك المركزي الموريتاني إلى تعليق الصفقة في دجنبر 2023، فيما ورغم أن هذه الصفقة كانت قد تم الاتفاق عليها في وقت سابق، إلا أن الضغوط المحلية حول ملكية القطاع المصرفي في موريتانيا أوقفت تقدمها مؤقتًا.
وفي هذا السياق، يبرز دخول التجاري وفا بنك المغربي على خط المنافسة، مع تعزيز موقفه في السوق الموريتاني، بالنظر إلى استراتيجيته التوسعية في المنطقة وحضوره الراسخ في موريتانيا منذ دخوله السوق قبل 16 سنة، يُعتبر من أبرز اللاعبين المصرفيين في البلاد، وهذا الوضع يضعه في موقف قوي للفوز بصفقة الاستحواذ على فرع البنك الفرنسي في نواكشوط، التي ما زال قيد البيع.
ويبدو أن التجاري وفا بنك لديه الإمكانيات المالية والبنية التحتية المناسبة التي قد تسهم في تسهيل انتقال هذا الفرع تحت ملكيته، وهو ما قد يساعد في تجنب الضغوط المحلية التي واجهت صفقة كوريس القابضة، فضلا عن تزايد الضغوط السياسية والمالية في موريتانيا، ما يجعل التجاري وفا بنك الخيار الأكثر قبولًا لدى الهيئات التنظيمية المحلية، نظرا لسمعته القوية في المنطقة وقدرته على التكيف مع المتطلبات المحلية.