عز الدين السريفي
في خطوة مفصلية على الصعيدين الدبلوماسي والإقليمي، أعلنت غانا عن سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، وذلك في ظل التحول الكبير الذي يعكس الدعم المتزايد للموقف المغربي بشأن مغربية الصحراء.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس يشهد فيه ملف الصحراء انتصارات متتالية للدبلوماسية المغربية.
في يونيو من سنة 2016، وقبل عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بنحو 3 أسابيع، اعتبر وزير الشؤون الخارجية المغربي الأسبق، صلاح الدين مزوار، أن خروج ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” من الاتحاد الإفريقي، “مسألة وقت”، وهو “التوقع” الذي أصبح اليوم قريبا من التحقق أكثر من أي وقت مضى، بعد إعلان غانا تجميد علاقاتها مع جبهة “البوليساريو” الانفصالية.
ويمثل قرار أكرا تحولا استراتيجيا في المواجهة بين المغرب والجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، بخصوص مستقبل “جمهورية” البوليساريو، ذلك أن البلدان التي لها علاقات مُعلنة وفعلية معها أصبحت تمثل حاليا أقل من الثلث، بعدما تراجعت إلى حدود 17 دولة فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن الجبهة بدورها لا تزال، عمليا، تحتفظ بعضويتها داخل المنظمة.
ولا يسمح النظام الداخلي للاتحاد الإفريقي بطرد أي عضو من الأعضاء البالغ عددهم حاليا 55، وهو ما يتطلب تغييرَهُ عبر أغلبية الثلثين، الأمر الذي لا تُخفي الرباط مسعاها له منذ سنوات، حتى قبل عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي رسميا.
ويسود التردد الأقرب إلى الغموض مواقف بعض الدول الإفريقية بخصوص قضية الصحراء، إذ منها دولٌ تتردد في التصريح بسحب اعترافها بالجبهة الانفصالية، بسبب مصالحها مع الجزائر تحديدا، أو مع المحور الداعم لها، وأخرى جمدت عمليا أي تواصل مع “البوليساريو” في سياق بنائها علاقات جديدة مع الرباط، وهو ما يجعل التحديد الصارم لمواقف جميع الدول أمرا غير يسير.
إلا أنه بالرجوع إلى خريطة القارة، ومطابقتها مع المواقف الحديثة للعديد من الدول، نجد أن هناك 17 دولة من دول الاتحاد الإفريقي لا تزال محتفظة بعلاقات مستمرة مع الجبهة تصل حد استقبال “تمثيليات دبلوماسية” لها، أو التعبير عن دعم مطالبها الانفصالية.
ويمكن الفصل في قائمة الداعمين العلنيين لـ”البوليساريو” بالعودة إلى قائمة “سفاراتها” أو “تمثيلياتها العامة” في البلدان الإفريقيا، حيث نجد أنها تشمل 15 بلدا، على اعتبار أن “سفارتها” في أكرا أصبحت في حكم الملغاة بعدما أخطرتها الحكومة الغانية رسميا بقرار تجميد العلاقات الدبلوماسية، ينضاف لهما بلدان دون “تمثيلية دبلوماسية” وهما مالي وموريتانيا.
وعلى رأس القائمة نجد الجزائر ونيجيريا وإيثيوبيا، ثم بوتسوانا وكينيا، إلى جانب الموزمبيق وزيمبابوي، وتشمل تمثيلية “البوليساريو” في بريتوريا بلدين هما جنوب إفريقيا وليسوتو، شأنها شأن تمثيليتها في لواندا التي تشمل أنغولا وناميبيا، وفي كامبالا التي تشمل أوغندا ورواندا، وفي دار السلام التي تشمل تانزانيا وموريشيوس.
وإذا كنا نجد أن هناك دولا لا زالت تحتفظ بعلاقات قائمة مع “البوليساريو” دون التوفر على أي تمثيليات لها، مثل موريتانيا ومالي، فإننا في المقابل نجد أن هناك دولا أخرى أعلنت رسميا تغيير موقفها من قضية الصحراء، والمرور إلى الحياد وإعلان دعم المسار الأممي، رغم احتضانها لـ”سفارات” للجبهة، مثل أنغولا وكينيا، وأخرى تربطها مصالح اقتصادية قوية مع المغرب، جعلت اهتمامها بدعم الطرح الانفصالي يتوارى مثل نيجيريا وإثيوبيا، ما يعني أن الحضور الفعلي للجبهة أضحى مقتصرا عمليا على أقل من ثلث بلدان القارة.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن دبلوماسية الرباط استطاعت إقناع العديد من دول الاتحاد الإفريقي بـ”ترسيخ” اعترافها بمغربية الصحراء، عبر تدشين قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، والأمر يتعلق بـ21 دولة، وهي السنغال وجزر القمر والرأس الأخضر وتوغو وسيراليون والكونغو الديمقراطية وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية وغينيا كوناكري وبوركينافاسو وليبيريا وجيبوتي وغامبيا، إلى جانب مالاوي والكوت ديفوار ومملكة اسواتيني وزامبيا وبوروندي وإفريقيا الوسطى وساو تومي وبرينسيبي والغابون.
واليوم الثلاثاء، قررت جمهورية غانا تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، عبر وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الخارجية والاندماج الإقليمي الغانية، موجهة إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج للمملكة المغربية، وفق ما نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء (رسمية)، مقررةً “إبلاغ حكومة المملكة المغربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة الأمم المتحدة بهذا الموقف على الفور، عبر القنوات الدبلوماسية”.