على الرغم من الضجة التي أثارها قرار استيراد المغرب 2500 طن من النفايات البلاستيكية والمطاطية من إيطاليا، إلا أن الأحزاب السياسية التي تتخذ من القضايا البيئية مرجعا لها لم تتفاعل مع هذه القضية التي أثارت جدلا واسعا في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي ولدى بعض الجمعيات المدافعة عن البيئة، في ظل غياب الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة حكيمة الحيطي الموجودة في مهمة بالخارج.
البداية مع حزب اليسار الأخضر المغربي الذي يعتبر أول الأحزاب السياسية التي اختارت رفع لواء ما أسمته الدفاع عن الحقوق البيئية، و”نصرة قضايا البيئة في العالم، وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتطوير علاقات التعاون والتضامن في إطار الاحترام المتبادل مع هيئات وحركات الخضر في العالم ومع القوى الديمقراطية والاشتراكية والحداثية”.
ورغم أن هذه السنة قد عرفت تميزا على المستوى البيئي، من خلال تنظيم المغرب للقمة العالمية للمناخ “كوب 22” التي ستعرف مشاركة عدد كبير من الدول، بالإضافة إلى اعتبارها مناسبة لتنزيل ما تمت المصادقة عليه في قمة باريس، إلا أن حزب اليسار الأخضر لم ينظم أي نشاطات موازية في موضوع البيئة استعدادا للمحفل الدولي الذي سيقام في المغرب، بالإضافة إلى عدم تفاعله مع الأحداث التي استحوذت على حيز واسع من النقاش العمومي، كقرار إلغاء الأكياس البلاستيكية وقرار جلب النفايات الايطالية إلى المغرب.
وضعية حزب اليسار الأخضر تنطبق أيضا على حزب البيئة والتنمية الذي ينهل من المرجعية السياسية ذاتها، ويقدم نفسه كمدافع عن البيئة و”إدخالها في كل المعادلات الاقتصادية والاجتماعية”، وذلك بحسب ما ورد في برنامجه؛ حيث لا يتردد، خلال كل مناسبة يتقدم فيها إلى الانتخابات، في المطالبة بـ”سن قوانين لحماية الثروات الطبيعية وإدخال البيئة كعنصر أساسي في كل المخططات المبرمجة لإعداد التراب الوطني”، وغيرها من الشعارات الرنانة التي يكون المواطن على موعد معها كلما حان موعد الانتخابات.
غياب التفاعل مع النقاش الذي ساد مؤخرا حول استيراد النفايات الإيطالية لكي يتم حرقها في المغرب، شمل أيضا جميع الأحزاب الأخرى ذات المرجعية البيئة التي لم تصدر أي بلاغات بهذا الشأن، وتم الاكتفاء ببلاغ الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة الذي يبرر ما اعتبرها خلفيات هذا القرار.
الانتظارية وغياب الرؤية
محمد الهاشمي، باحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير، علق على هذا الموضوع بالقول إن الأحزاب المغربية أصبحت قاصرة عن مواكبة القضايا الأساسية في البلاد، مشددا على أن ذلك ينطبق على جميع القضايا وليس فقط قضية استيراد النفايات الإيطالية للمغرب.
واعتبر الهاشمي، في تصريح لهسبريس، أن الأحزاب هي الغائب الأكبر عن النقاش العمومي حتى بالنسبة للقضايا الكبرى كالتعليم والصحة والسكن وغيرها. فإذا وجدناها غير مواكبة لموضوع النفايات الإيطالية، يقول الهاشمي، فلأن ذلك مرتبط بقصور بنيوي لدى الفاعل الحزبي لأسباب تعود إلى المرحلة التاريخية التي تعرفها البلاد، بالإضافة إلى طغيان طابع الانتظارية لدى هذه الأحزاب “لأنها غير مستقلة”، على حد تعبيره.
وتابع المتحدث ذات أن أغلب الأحزاب لا تتوفر على نخب تفتح نقاشات حول مثل هذه القضايا، في مقابل وجود بعض الزعامات التي تتميز بـ”العمق الفكري”، أو مستوى إدراك الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها البلاد، فيما يبقى الصمت أيضا مرتبطا بالغموض الذي يلف قضية هذه النفايات، وتضارب الأنباء، ما يجعل الفاعل الحزبي يتسم بالانتظارية، ولا يقوم بأي مبادرات باستثناء بعض القضايا المرتبطة بالانتخابات.