لم تكن التبريرات التي قدمها وزير الداخلية، محمد حصاد، في مجلس حكومي، في موضوع “النفايات الإيطالية”، نيابة عن الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، حكيمة الحيطي، ووصفه لما يجري تداوله حول هذه المواد بـ”غير الصحيح”، ليهدئا الغضب الشعبي العارم الذي جرته الوزيرة الحركية على نفسها.
وفي وقت اختارت الحكومة الرد على المطالب الشعبية عبر بوابة وزارة الداخلية، والتأكيد أن هذه المواد تستعمل من طرف عدد من الدول الأوروبية، بما فيها إيطاليا، مبرزة أن عملية استيرادها تحترم اتفاقية “بال”، كما تخضع لعملية مراقبة في الميناء للتأكد من ذلك، فضلا عن مراقبتها من جديد في المصانع التي تستعملها، سجل العديد من المتبعين تواري رئيس الحكومة عن الخوض في هذه الفضيحة التي طالت حكومته، بتعبير نواب في المعارضة.
ورغم أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنيكران، غالبا ما يعلق على المواضيع التي تعيشها الساحة السياسية والمجتمعية المغربية، عبر بوابة المجلس الحكومي، إلا أنه لم يعلق خلال اجتماع مجلس الحكومة على هذه النفايات -التي تلقى بسببها عرائض ومراسلات احتجاجية- ما طرح أكثر من علامة استفهام حول إمكانية سقوط الوزيرة الحركية من سفينة الحكومة، على بعد أسابيع فقط من الانتخابات التشريعية.
الدكتور عبدالرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد أن “المطلوب من رئيس الحكومة هو أن يوضح ما وراء هذا الملف”، داعيا إياه إلى “اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وطلب إعفاء الوزيرة المنتدبة في البيئة، مثل ما قام به بعد الأخطاء الوزارية السابقة”.
في مقابل ذلك، أوضح رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، في تصريح لهسبريس، أن “المطلوب من رئيس جهة الدارالبيضاء سطات أن يمارس صلاحياته في حماية مجاله الترابي والبيئي وحماية الساكنة من المخاطر”، مقترحا عليه “اللجوء إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة”؛ “كما أن ممثلي تنظيمات المجتمع المدني وممثلي السكان مطالبون برفع دعاوى ضد حكومة بنكيران، ليفصل القضاء في الموضوع، في وقت توجد الفرصة أمام جمعيات حماية البيئة المغربية لرفع دعاوى أمام المحكمة الأوروبية ضد الحكومة الإيطالية”، على حد قوله.
اسليمي أكد أن “المثير في موضوع النفايات الإيطالية هو السكوت المطبق لرئيس الحكومة، بصفته الممثل القانوني للدولة المغربية”، معتبرا “فضيحة النفايات الإيطالية” تتضمن خرقا دستوريا كبيرا للفصل 31، الذي ينص على حق العيش في بيئة سليمة، والفصل 35 الذي ينص على حقوق الأجيال المقبلة في تنمية بشرية مستدامة.
واعتبر المحلل السياسي ذاته، في هذا الصدد، أن “مسؤولية رئيس الحكومة، وقطاعه الوزاري المعني بالقضية، ثابتة، ولا يمكن له مرة أخرى أن يتذرع بعدم علمه بحيثيات ملف ترخيص استيراد النفايات الإيطالية”، موردا أنه “إذا لم يكن يعلم فمعنى هذا أن هناك فوضى حكومية عارمة، وأن الوزراء يتصرفون بدون علم رئيسهم”.
“أسطورة” نفايات إيطاليا صحية “ستحدث ضررا إن لم يظهر الآن ففي المستقبل القريب”، يقول الباحث في القانون العام، الذي تساءل عن “الفائدة من النصوص الدستورية حول الحق في بيئة سليمة، وهل يتم تنزيل الحق الدستوري في بيئة سليمة باستيراد النفايات من إيطاليا”، مضيفا أن “الحكومة تحاول التغطية على فضيحة “النفايات الإيطالية” بمجموعة من المبررات الخاطئة”.
وبعدما أوضح المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، أن “الحكومة والوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة لديها سوء تقدير واضح في تقييم شبكة المعلومات التي باتت لدى المغاربة حول القضايا التي تهم حياتهم ومستقبلهم”، سجل أن “الخروج الإعلامي لبعض المسؤولين في الوزارة يتضمن معلومات خاطئة تريد بناء أسطورة في ذهن المغاربة تقوم على أساس أن النفايات الإيطالية صحية”، منبها إلى أنه “لا أحد يفهم سكوت المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن إثارة هذه القضية، لأن الأمر يتعلق بخطر يهدد جيلا من الحقوق، من المفترض في المجلس حمايتها”، حسب تعبيره.
من جهة أخرى نبه اسليمي إلى أن “هذه القضية ستضر بصورة المغرب، وتتجاوز هذه المرة زواج وزيرين أو استعمال “كراطة” في ملعب لكرة القدم إلى تصنيف المغرب ضمن دول مستوردة للنفايات من أوروبا، في صورة شبيهة بالصومال والسودان”، مستغربا في الآن ذاته “كون الحكومة تستعد لاستقبال مؤتمر كبير حول المناخ، وتقبل باستيراد نفايات، وتبني أسطورة تسمى “نفايات إيطاليا صحية”..”، على حد تعبيره.