كما يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ظهوره الإعلامي اليومي لكشف آخر مستجدات جائحة كوفيد-19 في بلاد العم سام “بدأنا نرى النور في نهاية النفق”، أيضا كرة القدم في طريقها لرؤية شعاع الضوء، حتى بعد استسلام هولندا وفرنسا، بإعلان رسمي من حكومة الدولتين، بإلغاء الموسم الرياضي 2019-2020، وإرجاء ضربة بداية الموسم الجديد الى سبتمبر/ أيلول المقبل، إذا تمت السيطرة على الوحش الخفي قبل ذاك الموعد.
مؤشرات التفاؤل
أكدت العديد من الصحف البريطانية، أن النية داخل رابطة البريميرليغ وأعرق اتحاد كرة قدم في العالم، تغيرت 180 درجة، بالتراجع عن فكرة إلغاء الموسم، واستكمال الجولات التسع المتبقية في البريميرليغ، وذلك سيحدث بالتعاون مع السلطات ووزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية، وبخطة احترازية أقل ما يُقال عنها “صارمة”، لضمان أعلى معايير السلامة، حفاظا على صحة اللاعبين والأجهزة الفنية والموظفين في المقام الأول، ثم إنقاذ الأندية من شبح الإفلاس، بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها كسائر الأندية الأوروبية، منذ تجميد النشاط منتصف الشهر الماضي، بعد خروج الوباء عن السيطرة في بلدان الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، بالتزامن مع ذروة انتشاره في جُل بقاع الأرض في الأسابيع الماضية.
كن مستعدا
اللافت أن الأمر لا يقتصر على إنكلترا، فقط بمجرد النظر على العناوين الرئيسية لصحف إسبانيا وألمانيا وإيطاليا، ستدرك من الوهلة الأولى أن عجلة الحياة في طريقها الى العودة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة العالمية، ولو بشكل مؤقت، ونفس الأمر ينطبق على اللعبة الشعبية الأولى في العالم، باستعداد الفرق في هذه البلدان للعودة إلى التدريبات الجماعية الشهر المقبل، تمهيدا لاستئناف الموسم مطلع يونيو/ حزيران، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل ستعود المباريات وكرة القدم عموما بنفس الصورة التي كانت عليها قبل فترة التوقف الإجباري؟ بالنظر إلى أول من أجاب على هذا السؤال، سنجد أنه الرجل الأول في عالم الساحرة المستديرة جاني انفانتيانو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، باعتراف لا تشوبه شائبة وفي أكثر من مقابلة عبر “الفيديو كونفرانس”، عندما قال ان “كرة القدم لن تعود بسهولة إلى كما كانت عليه قبل تفشي الوباء التاجي”.
ملاعب خاوية على عروشها
الشيء المؤكد بنسبة 100%، أنه في أحسن الأحوال إذا استكمل الموسم مع بداية فصل الصيف، ستقام المباريات وراء أبواب مغلقة حتى إشعار آخر، أو بالأحرى إلى أن تعلن منظمة الصحة العالمية انتهاء الجائحة، بوضع كوفيد-19 تحت السيطرة، إما بواسطة ايجاد اللقاح أو باكتساب مناعة القطيع اللازمة لكبح جماح الفيروس إلى أن يطّور نفسه في موعد لا يعلمه إلا الخالق، وبحسب التوقعات وتجارب البشر مع هكذا أوبئة في العصور القديمة والحديثة، فإن الأمر سيستغرق فترة لن تقل بأي حال من الأحوال عن 12 شهرا، ما يعني أن عشاق كرة القدم، سيُحرمون من متعة مشاهدة المباريات في ملاعب مفتوحة، وبرؤية قلاع مثل “سانتياغو بيرنابيو” و”كامب نو” و”ويمبلي” و”آليانز آرينا” وغيرها بنفس العراقة والشهرة “خاوية على عروشها”، وبلا لافتات ولا آهات ولا مقاعد تتحرك ولا زلازل تضرب المدن احتفالا بالأهداف في عطلة نهاية الأسبوع أو سهرات منتصف الأسبوع الأوروبية الصاخبة ولا أي شيء من ملامح الحياة في المدرجات… وإلى متى؟ الى نهاية الموسم المقبل.
قوانين جديدة
هل تعتقد عزيزي القارئ أن اللاعبين سيحصلون على الضوء الأخضر للعودة إلى المباريات الرسمية بهذه السهولة؟ كما أشرنا أعلاه هناك خطة وإجراءات في منتهى الصرامة، ينبغي على الجميع إتباعها لإنقاذ الموسم من دون الإضرار بصحة اللاعبين والمدربين والموظفين، ومن ضمن هذه التدابير الاحترازية، تقول صحيفة “دايلي ميرور” البريطانية، إن أندية البريميرليغ تناقش فكرة مجنونة، بإلزام اللاعبين في فندق مغلق لمدة ستة أسابيع، وهي الفترة المقترحة لضغط المباريات الـ92، بخوض جولة كل 48 ساعة، والجديد أن الفيفا سيتعاون مع الأندية واللاعبين، بالسماح للمدربين باستخدام خمسة تغييرات في المباراة الواحدة، وذلك بحسب صحيفة “ذا صن”، ليس فقط لتقليل احتمالات الإصابة بين اللاعبين، بل أيضا للحفاظ على لياقتهم البدنية، وسط “روزنامة” ستكون مضغوطة بالمباريات، بسبب ضغط الدوريات المحلية وبطولتي اليويفا “دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي” في أسرع وقت ممكن، وفي خضم ذلك، لن يُسمح بحضور أكثر من 350 شخصا داخل الملعب، بمن فيهم رجال الأمن والمصورون والمسؤولون عن عدسات البث الحي، مع احتمالات تقليل أعداد الحاضرين من الجهاز الفني، حرصا على قواعد التباعد الاجتماعي على مقاعد البدلاء، بترك مقعد أو اثنين بين كل لاعب وآخر كما توصي منظمة الصحة العالمية، بترك مسافة لا تقل عن مترين لضمان أعلى مستوى للسلامة.
تعقيم شامل
من الاقتراحات الأخرى المدرجة في خطة عودة الحياة تدريجيا للعبة الشعبية الأولى في العالم، إقامة كل المباريات على ملعبين أو ثلاثة، بدون التوقف عن تعقيمها حتى أثناء سير المباراة، وهذا بهدف ترشيد أفراد الأمن والصحة المكلفين بتأمين المباريات ومراقبة الأندية ولاعبيها في إتباع إجراءات السلامة، بدلا من استنزاف أعداد أكبر من الجيش الأبيض في أوج لحظات الحرب على كوفيد-19، لكن السائد وفقا لأغلب الصحف البريطانية الشهيرة، سيلعب كل فريق على ملعبه، وبالطبع بدون جماهير، لكن بعد إجراء اختبارات الكشف عن فيروس كورونا على كل المحترفين سواء في البريميرليغ أو باقي الدوريات الأخرى، التي وضعت خطة مبدئية لاستئناف الموسم، وبعد أسبوعين، أي بعد التأكد من سلامة الجميع بنسبة 100%، سيتم وضع جدول المباريات الجديد، وبتعليمات ومهام جديدة بالنسبة للاعبين، منها على سبيل المثال، الحرمان من رفاهية إيجاد ملابسه، سواء ملابس التدريبات أو المباريات الرسمية، جاهزة. نعم سيكون لاعب كرة القدم “المدلل” في زمن ما قبل كورونا، مجبرا على تدبير نفسه في المنزل، بإلزامه بالقدوم إلى التدريبات مرتديا إما ملابس التدريبات وإما ملابس المباراة الرسمية، وليس كما كان في السابق، حيث كان يأتي مرتديا أشهر وأغلى العلامات التجارية في العالم، ليجد ملابسه مرتبة وجاهزة ونظيفة ومكوية في غرفة خلع الملابس، بواسطة عمال النظافة.
تجريم البصق
بالإضافة إلى ذلك، لن يُسمح لهم بالاستحمام في قاعة التدريب أو في الملاعب قبل أو بعد كل مباراة، لتفادي نقل العدوى بقدر الإمكان، ولنفس السبب أيضا، وضعت وزارة العمل في ألمانيا حزمة من التوصيات بعد عودة النشاط، منها ارتداء اللاعبين لكمامات (أقنعة طبية)، تكون مخصصة للاعبين، بحيث لا تسقط عن وجههم أثناء الركض أو الارتقاء في حوارات الفضاء والالتحام المباشر في الكرات الثابتة، مع إمكانية استبدالها مرة أو مرتين كل شوط، كزيادة احتياط بعدما تتبلل من عرق اللاعبين، هذا بخلاف ضمان تعقيم كل متر داخل الأندية والملاعب، بما في ذلك كرات التدريب والمباريات، وبجانب ما سبق، سيتعين على لاعب كرة القدم، التحكم في رد فعله وسلوكه داخل المستطيل الأخضر، وذلك بالتوقف عن عادة البصق في أرضية الملعب، خوفا من انتشار العدوى بشكل مجاني، وإلا سيدفع الثمن بالحصول على بطاقة صفراء أو حمراء، وفقا لتصريحات رئيس اللجنة الصحية لدى الفيفا ميشيل دهوغ.
وبموجب قواعد التباعد الاجتماعي، سيُحرم اللاعب من الاحتفال الجماعي مع زملائه بعد كل هدف، حتى لو كان هدفا يساوي بطولة، وأيضا سيعلق “بروتوكول” مصافحة اللاعبين بالأيدي قبل المباريات، وكذلك المدربين بعد إطلاق صافرة النهاية، حتى تقليد استبدال القمصان، سيبقى من الماضي الجميل إلى أن يخسر كورونا معركته مع العلماء وخبراء المعامل، ورغم أن هذه الأشياء ستؤثر على صخب وإثارة كرة القدم، لكن الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا يعتقد أن عودة النشاط سيكون أشبه بـ”بمقابلة الحبيب”… فهل تتفق مع رأي أيقونة القرن الماضي؟ أم ستؤثر المتغيرات الجديدة على شغف المركولة المجنونة؟ دعونا ننتظر، وقبل أي شيء نتمنى السلامة للجميع قبل التفكير في عودة كل ما هو ترفيهي.