شطحات عسكر حليب الاشجار بين تونس وليبيا تارة، وصوب موريتانيا تارة أخرى، وارتباكهم حيال مالي والنيجر تارة تالثة، كل ذلك بسبب عقدة الحدود التي ورثوها مع وراثة الحدود نفسها عن الاستعمار، فتلك العقدة هي نفسها التي اجتهدت فرنسا طويلا لتجاوزها عبر طيّ المغرب، ولم تحقق من ذلك شيئا إلا بمقدار الفراغ الذي حققه قبله العثمانيون والرومان حينما اقتربوا من مملكة الحصون الطبيعية الثلاثة التي تمثلت عبر التاريخ في الجبال والصحراء والمحيط.
إن عقدة عسكر فرنسا الجنوبية مع الحدود، تكمن أساسا في كون حدودهم مهلهلة ومسروقة ومنفلتة، لا تحصنها موانع جغرافية، ولا يمكن عبرها العبور إلى أي مكان، إنها عزلة داخل فراغ شاسع قاتم وفوضوي، ثم إنها بطبيعتها تلك لم تساعد على استنبات طبائع التفاعل الثقافي على النحو الذي يرسخ فكرة الجوار، ولهذا فالعسكر البغيض لا يتورع عن تهديد جواره بالضعف الماثل في طبيعة الحدود غير القابلة للضبط، ومتى ما تمنعت دولة جارة اتجاه تهديداته الواهنة إلا واستشاط غضبا، وبدت معالم ارتباكه يمينا ويسارا كما يفعل اليوم وهذه الأيام.
فالاكيد أن عسكر المرادية ليس بالأخلاق الكافية لكي يتجنب إحراج موريتانيا، بعدم ضمها إلى “كارتل” المومياوتين التائهتين تبون وقيس، ولو استطاع الضغط عليها لفعل. لكنه نظام هش مترهل ومتشظ بما يكفي لكي لا يقوى على موريتانيا، ولهذا يهرع نحو ليبيا التي لا تختلف كثيرا عن الوضع في تونس، وبإمكانه التلويح باستعمال حدوده المهلهلة المشبوهة لتهديدهما بتهديدات غير الدول.
وهاهي ليبيا هي تجبر خواطر العجزة بالتوقيع على بيان ختامي لاجتماع بهلواني لن يرشح عنه شيء، ثم تسارع إلى إخطار المغرب بكل ما حدث، والإعلان عبر سفيرها في الرباط عما يجب الإعلان عنه، ذلك أن البلاد ما تزال في أزمة، وتجمعها بالمغرب الية اتفاق 2015، وهي بكل أطيافها متمسكة بهذه الآلية، لأنها تعرف أن الراعي لها دولة تعرف ما معنى وساطة في أزمة دولية، وليس حفنة عسكر عجزة ينسون حتى أوقات قضاء حاجتهم، فكيف بالكاد سيشرفون على تدبير وساطة دبلوماسية دولية، ولنا في انسحاب مالي من وساطة السفهاء الأوغاد عبرة يعتبر بها أولي الألباب.
إن سلوكات مشوهة مشبوهة كتلك التي تصدر عن العسكر، وبشكل متواتر ومتناقض أيضا، لا تدعو سوى إلى الاستغراب، إذ كيف يعقل أن يدعي البحث عن التكامل ذلك المسؤول عن إفشال تجربة التكامل المغاربي، سواء عبر إجهاض الديمقراطية إبان حقبتي الشاذلية والبوضيافية، أو الإمعان في السعي إلى تقسيم المغرب قبل التكامل؟؟، ونحن على الأقل لا نسمع من عسكر فرنسا سوى مبادرات تولد ميتة مثل سيموك ومصالحة مالي، أو مبادرات مشبوهة مسروقة مهلهلة كحدود الجزائر الموروثة عن الاستعمار هي وحدودها.