لليمن تاريخ ضارب في القدم ويعتبر من أهم البقاع الجغرافية التي شهدت بدايات الحضارة الإنسانية فتاريخه طويل وممتد منذ 4 ألاف سنة قبل الميلاد، وشهد دولاً وممالك متعاقبة حتى دخل الإسلام إليه بعد إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام علي بن أبي طالب لأهل اليمن.
أصبح اليمن بعد ذلك جزءا من الحضارة العربية الإسلامية ولكن كان أهم ما يتميز به هو استقلاليته وعدم خضوعه لعاصمة الخلافة سواء كانت دمشق أو بغداد أو القاهرة إلا بشكل اسمي نظرا لوعورة جباله وطبيعته القبلية.
مدخل إلى العصر الحديث
يبدأ اليمن دخوله في التاريخ المعاصر قبل قيام الحرب العالمية الأولى، حينما شهد صراع نفوذ وسيطرة بين كل من الأتراك (الدولة العثمانية) من جهة والانجليز من جهة أخرى، وقتها كان الانجليز يسيطرون على محمية عدن وميناءها منذ عام 1839 بينما كان باقي اليمن مستقلا تحاول الدولة العثمانية السيطرة عليه منذ قرون وتنجح أحيانا وتخفق بعدها مرة أخرى، حيث كان اليمن دائم الثورات ضد الخلافة العثمانية ورافضا لها، ولعل أهم ثورة كانت ثورة «المنصور بالله قاسم» الذي وصل بثورته وجنده حتى بلغ مكة المكرمة وسيطر عليها، وأسس ما يعرف في التاريخ اليمني ب«الدولة القاسمية».
بعد ضعف الدولة القاسمية وانهيارها عاد الأتراك من جديد للسيطرة على اليمن عام 1872م واستطاعوا ضم أجزاء كبيرة من اليمن للخلافة العثمانية ولكنهم فشلوا في دخول صنعاء وخسروا 1500 جندي على أبوابها ولم يستطيعوا أيضا السيطرة على مناطق شمال اليمن ذات الاغلبية الزيدية الموالية للدولة القاسمية.
وبعد تعاظم المواجهة بين الأتراك والانجليز في المنطقة عموما قررت الدولة العثمانية خوض حرب شاملة للسيطرة على اليمن كاملا وبدأت بالفعل بارسال الجنود بداية من عام 1904م وحتى عام 1911م ، فيما يعرف ب«الحرب التركية اليمنية» التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية ومقتل ما يقارب 10 ألاف جندي في مأساة من أكبر مآسي التاريخ التركي التي مازال يتذكرها الشعب في تركيا حتى اليوم ويتغنى بها في ملاحم شعبية وأغاني حزينة حتى قيل أنه لم يكن هناك قرية في تركيا لم يكن بها مأتم أو عزاء.
بداية القصة وظهور اليمن المعاصر
بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وانسحابها من كل المناطق التي كانت خاضعة لها في الشام والعراق والجزيرة العربية ، انسحبت بالفعل القوات التركية من اليمن نهائيا عام 1918 م ، وانجلى الوضع في اليمن عن وجود 3 قوى سياسية كبرى هم:
الإمام الزيدي يحيى حميد الدين: والذي كان يحكم شمال اليمن الذي لم يسيطر عليه لا الأتراك ولا الانجليز في القرون الماضية وبدأ السعي فعليا في إعادة توحيد اليمن كله واستعادة مجد الدولة القاسمية دولة أجداده، وأطلق «مشروع اليمن الموحد التاريخي».
الأدارسة: وكانوا يحكمون منطقة عسير و جازان ونجران وحاربوا الدولة العثمانية بالتحالف مع الإنجليز في الحرب العالمية الأولى واعترفت بهم انجلترا كحكام على مناطقهم وفق اتفاقية 1915م كمكافئة لهم على دعمها.
الإنجليز: وكانوا يسيطرون على الساحل الجنوبي لليمن ومحمية عدن وميناء عدن منذ عام 1839م.
بدأت قصة الصراع باصطدام «الإمام يحيى حميد الدين» بكل من الأدارسة والانجليز بسبب أنه يريد توحيد اليمن التاريخي، وبدأت المواجهات بالفعل بينه وبين الأدارسة ، الذين لجأوا بدورهم ل«آل سعود» أصحاب الدولة الناشئة الجديدة في الجزيرة العربية على وعد منهم أن يظلوا حكاما على مناطقهم، وما أن دخلت القوات السعودية نجران وجازان وعسير حتى تم تعيين حاكم سعودي على المنطقة واقصاء الأدارسة من الحكم نهائيا عام 1930م.
بالرغم من الاتفاقية التي كان الانجليز قد عقدوها مع الأدارسة إلا أنهم أيضا تخلوا عنهم وأقروا بسيادة «آل سعود» على عسير ونجران وجازان، وحصلت بريطانيا وقتها على حق التنقيب على النفط في هذه المناطق من آل سعود.
لجأ الأدارسة إلى عدوهم القديم «الإمام يحيى حميد الدين» وتحالفوا معه لاستعادة المناطق اليمنية التي سيطر عليها السعوديين، فقامت «الحرب اليمنية السعودية» عام 1934م، ودعمت بريطانيا وقتها السعودية وحاولت الضغط على «الإمام يحيى حميد الدين» من جهة الجنوب حيث كانت تحتل عدن واليمن الجنوبي فاضطر وقتها إمام اليمن توقيع «اتفاقية الطائف» في نفس العام والتي أقرت بالمناطق اليمنية التي سيطرت عليها السعودية أن تظل تابعة للسعودية، وعلى ان تكون مدة هذه الاتفاقية 20 سنة فقط يعود بعدها الطرفين للتفاوض من جديد.
وبهذا الاتفاق انتهى وجود الأدارسة في اليمن وسيطرت السعودية على منطقة عسير اليمنية التي تشتمل على عسير وجازان ونجران وجزر فرسان، وبات الوضع بعد ذلك بين الدولة اليمنية التي أسسها الإمام يحيى والتي عرفت ب«المملكة المتوكلية» والتي اعتمدت النظام الملكي المرتبط بالإمامة وفق المذهب الزيدي، وبين «جنوب اليمن» الذي كان لا يزال تحت الاستعمار البريطاني حتى استقل نهائيا عام 1967م وأعلن دولة مستقلة هي «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» والتي تعرف باليمن الجنوبي فأصبح هناك يمنان “شمالي وجنوبي” .
ثورة سبتمبر 1962:
بعد قيام ثورة يوليو في مصر عام 1952م بدأت الشعوب العربية عموما مرحلة من الثورات ضد الحكم الملكي والمطالبة بالنظام الجمهوري، وبالتالي قامت الثورة أيضا في اليمن ضد «المملكة المتوكلية» التي أسسها الإمام يحيى حميد الدين وكان الإمام الحاكم وقتها هو «الإمام محمد البدر حميد الدين».
في هذا التوقيت وفي مفارقة تاريخية دعمت السعودية المملكة المتوكلية “العدو القديم” بشكل كبير وقامت بكل جهودها لوأد الثورة الجمهورية في اليمن حتى أن «الإمام محمد البدر» هرب إلى الرياض وقاد الثورة المضادة من هناك، وبالرغم من أن الحكم المتوكلي كان زيديا من الناحية المذهبية إلا أن السعودية دعمته وقتها لرفضها قيام أي نظام جمهوري في الجزيرة العربية قد يؤدي لثورات شبيهة في باقي الممالك والإمارات الخليجية، وعلى النقيض من الموقف السعودي دعمت مصر بقيادة «جمال عبد الناصر» الثورة الجمهورية وأرسلت جنودا لليمن لدعم هذه الثورة التي انتهت بالانتصار والإعلان عن تأسيس الجمهورية اليمنية وانتهاء المملكة المتوكلية نهائيا.
الوحدة اليمنية:
بعد إعلان الجمهورية اليمنية على أنقاض المملكة المتوكلية انجلى المشهد عن «جمهوريتان يمنيتان» احداهما في الشمال والأخرى في الجنوب الأولى عاصمتها صنعاء والثانية عاصمتها عدن ، بينما أصبح اليمن الشمالي بعد وفاة جمال عبد الناصر محسوبا سياسيا على الجانب السعودي والأمريكي والجنوبي محسوبا على المعسكر الشرقي والاتحاد السوفيتي.
وظل الوضع على هذا الحال حتى عام 1990 وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة تم التنسيق بشكل كبير وتوحيد القطرين وإعلان « علي عبد الله صالح » رئيسا لليمن الموحد في 22 مايو 1990 .
السعودية واليمن الموحد:
بدأت السعودية تبدي قلقها وانزعاجها من اليمن الموحد وخصوصا أن «علي عبد الله صالح» بدأ من جديد فتح قضية «اتفاقية الطائف» القديمة ويطالب بعودة المفاوضات التي كان من المفترض أن تكون قد تمت منذ عام 1954م حسب بنود الاتفاقية ذاتها ، وطالب باستعادة مناطق اليمن في عسير ونجران وجازان، ووصل الأمر من الخلاف أن أمرت السعودية بترحيل قرابة نصف مليون عامل يمني ومارست ضغطا اقتصاديا كبيرا على اليمن أدى لأزمة كبيرة عاشها اليمن في التسعينيات.
وقتها أيضا تحالف صالح مع« حزب التجمع الوطني للإصلاح» وبدأت تزيد وتيرة الإغتيالات السياسية في اليمن على يد “المجاهدين” اليمنيين العائدين من أفغانستان والذين كان ينقلهم بن لادن السعودي من اليمن للجهاد هناك، واتهم صالح السعودية وقتها بالوقوف وراء هذه الاغتيالات.
السعودية واليمن بعد عام 2000:
تحسنت العلاقات السعودية اليمنية بشكل ملحوظ منذ مطلع القرن ال 21 ، الذي بدأ بتوقيع «علي عبد الله صالح» على «اتفاقية جدة 2000» التي تنازل وفقا لها بشكل كامل عن حق اليمن في مناطق جازان ونجران وعسير، وبدأت منذ هذا التاريخ المشاريع السعودية والمساعدات الاقتصادية والعلاقات التجارية تتطور بين البلدين خلال العقد الأول من القرن ال 21 وحتى جاء عام 2011 .
أنصار الله أو « الحوثيون »:
في هذه التوقيت وفي عام 2004 بدأت المناطق الشمالية الزيدية والتي كانت تعاني من تهميش كبير وفقر وتمييز في التذمر والمطالبة بحقوق سياسية واجتماعية واقتصادية ، وكذلك أيضا المناطق الجنوبية من اليمن حيث لم يكن لهم تمثيل حقيقي في الحياة السياسية اليمنية، بينما سيطر صالح وحلفاؤه وغيرهم من القبائل التي كانت على علاقة جيدة بآل سعود على الحياة السياسية والاقتصادية في اليمن.
في هذه الظروف نشأت حركة «أنصار الله» على يد زعماء قبيلة الحوثي، وكانت حركة اجتماعية فقط في البداية ولكنها تعاظمت بعد التفاف أغلب سكان اليمن الزيديين في الشمال حولها حتى بلغ الأمر ان حدثت مواجهات شاملة للقضاء على الحركة من قبل النظام الحاكم وقصف جوي شاركت فيه السعودية بشكل مباشر عام 2009، والجدير بالذكر أن الحوثيون وغيرهم من الزيديون هم أنفسهم من دعمتهم السعودية في الستينيات ضد الثورة الجمهورية التي دعمتها مصر آنذاك.
ثورة 2011:
اندلعت احتجاجات شعبية عارمة شمالا وجنوبا في اليمن على أثر ثورتي مصر وتونس في 2011 وشارك فيها أغلب القوى والتيارات السياسية في اليمن بما في ذلك «أنصار الله» في الشمال و«الحراك الجنوبي» في الجنوب وكانت مطالبهم نفس مطالب الثورة بتأسيس حياة سياسية سليمة وعدالة اجتماعية والمساواة بين أطياف الشعب اليمني جميعا.
عارضت السعودية الثورة تماما كما حدث في الستينيات وتدخلت من خلال مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2011 بما يعرف ب«المبادرة الخليجية» والتي أقرت بمرحلة انتقالية تمر بها البلاد واشترطت المبادرة السعودية وقتها تحصين «علي عبد الله صالح» من أي ملاحقة قضائية أو قانونية وتسليم السلطة الانتقالية لنائبه «عبد ربه هادي منصور» الذي أصبح رئيسا مؤقتا للبلاد بالفعل في فبراير 2012 ليتم تنفيذ خارطة الطريق.
تفاقمت الأزمة بعد عدم تحقيق أي خطوات في خارطة الطريق المتفق عليها، وتحالف الرئيس المؤقت مع حزب الإصلاح “الإخوان المسلمون” وتم اقصاء كل من أنصار الله والحراك الجنوبي من جديد من المشهد السياسي مع زيادة الأزمات الاقتصادية وعدم تحقق أي مطالب من تلك التي رفعها الشباب في ثورة 2011 .
ووصلت الأزمة إلى الوضع الحالي حيث تظاهر الألاف ضد « منصور » الرئيس المؤقت وحشد أنصار الله مؤيديهم وانضم لهم قطاعات واسعة من الشعب اليمني حتى سيطروا على صنعاء وطالبوا الحكومة بالاستقالة وتنفيذ خريطة الطريق المتفق عليها مسبقا.
وبعد هذا التطور أعلنت السعودية قيام ما يعرف ب«عاصفة الحزم» وبدأت في قصف اليمن وإعلان دعمها المباشر لل”الشرعية” المتمثلة في الرئيس منصور في اليمن وأعلن «الإخوان المسلمون» أيضا دعمهم للسعودية وكذلك كل من تركيا وقطر ومصر وامريكا وانتقل منصور الرئيس المؤقت للرياض ليقود حملة ضد ما قام به أنصار الله.