“طُرشاقة” مسرحية جزائرية لمؤلفها ومخرجها أحمد رزاق، تندرج في الكوميديا السخرية والميلودراما.
تحصلت على الجائزة الأولى للعرض المتكامل بالمهرجان الوطني للمسرح المحترف في 2016. استحقاقها للقب يلخصه صعودها على الركح 55 مرة في سنة ونصف.
المسرحية حققت حضوراً جماهيرياً قياسياً وبيعاً للتذاكر لم يشهده المسرح الوطني محيي الدين بشطارزي منذ 25 سنة؛ لتعيد قصة “طرشاقة” جمهور المسرح إلى سابق عهده مع كل عرض جديد. كيف لا وهي مسرحية شعبية تستهدف مختلف فئات الجمهور منهم حتى من أدمن حضورها؟! إذ في كل مرة تتغير بعض المشاهد قصداً بترك الممثلين في وضعية ارتجال مع البقاء دوماً في سياق النص؛ لكي لا يمل الجمهور.
بهذه الظاهرة المسرحية تم إسقاط معالم الواقع الجزائري والعربي على مجتمع الزلاميط (أعواد الكبريت)؛ حيث تناولت موضوع السلطة والحب، بطريقة أقل ما يقال عنها احترافية.
مُررَت من خلالها عدة رسائل سياسية واجتماعية بقالب هزلي من فساد سياسي، طغيان الحاكم، صورية البرلمانات، نظرة المجتمع للحب، نقد للأعراف المغلوطة السائدة، مشكل السكن ويأس الشباب.
تدور أحداثها بين علب الكبريت التي تنشأ فيها قصة حب بين زلاميط وطرشاقة، يقابله تنكر من مجتمع له مشاكله، أفراده لا يعترفون بالعواطف فتركيبتهم من خشب وكبريت، تتم محاولة فرض زواج طرشاقة من الحاكم زلموط إرضاءً له رغم رفضها؛ إذ نتيجة للدسائس والمغالطات ينتحر زلاميط بحرق نفسه، حب الشابين يظهر الوجه الحقيقي للأعراف والقيم التي تحكم مجتمعهم المتعصب وكذا فساد وقسوة الحاكم وحاشيته وغض الطرف عن مشاكل الرعية، فما النهاية المأساوية إلا نتيجة حتمية لمجتمع ووطن يرفض الآخر.
سر نجاح المسرحية حسب المخرج الإرادة القوية لفريق العمل والقالب الذي قدمت فيه، لكنه أبدى امتعاضه وأسفه لعدم وصولها إلى الجمهور العريض بمختلف الولايات؛ لتنحصر في الجزائر العاصمة وثلاثة عروض بالمدينة: مستغانم، تيزي وزو.
كما أعتبر من المخجل تنقل الجمهور للمبيت بفندق لأجل حضور عرض مسرحي، عوض انتقاله إليهم وفق ما يقتضيه المنطق، وأضاف: “نحن هنا كلنا في خدمة الثقافة الجزائرية والجمهور، لماذا لا تقام لنا دورة كما يتم لمختلف العروض؟! كل مرة يجدون لنا أعذاراً حتى أصبح الناس يلوموننا. وأقول لهم إنه ليس خطأنا، نحن هنا للعمل على الركح وبأي مكان”.
كما تطرق أحمد رزاق إلى العراقيل والعوائق التي واجهت عرض المسرحية عربياً؛ إذ تم طلب مشاركتها السنة الماضية بقرطاج في تونس وهذه السنة بتونس والأردن، لكن وزارة الثقافة لم تسمح لها بالخروج من الجزائر لأسباب غير موضوعية وشخصية فقط، وما يؤكد هذا منع الوزارة أيضاً لمسرحية “كشرودة” لنفس المخرج من العرض بالأردن.
مسرحية طرشاقة أُقصيت من المشاركة في المهرجان العربي للمسرح هذه السنة رغم إقامته بالجزائر، كما ستحرم من المشاركة في المهرجان العربي للمسرح بتونس في دورته العاشرة في جانفي 2018، مع أنه تم دعوتها استثناء من الجهات المشرفة على المهرجان كون العمل منتجاً في جوان 2016، هذا نظير النجاح الذي حققته، في حين أن الأعمال المعنية بالمشاركة يجب أن تكون منتجة بين 20 نوفمبر 2016 إلى 20 نوفمبر 2017.
حرمان العمل المسرحي “طرشاقة” من صعود الركح العربي ضرب صارخ للنجاح من قِبل الوزارة وتضييع لفرصة ترويج الأعمال الثقافية بالخارج.
كما أن عرقلة إقامة دورة لها على المستوى الوطني تبين درجة اللامبالاة وتهميش جمهور المسرح عبر الوطن، كأن المدن الكبرى وحدها معنية بالأعمال الفنية والثقافية، ومن الواضح أن المسألة تعدت تقييم العمل أو مدى نجاحه لتختزل في شخصنته وعلاقة مخرجه مع المسؤولين عن الثقافة؛ لتصبح المحاباة والمحسوبية عنوان الثقافة الجزائرية بامتياز.
تنتهي المسرحية بكلمات لأغنية مؤثرة تلخص حال المجتمع بدقة: “تبني يا تبني.. كم اشتقنا لمن غابوا عنا.. كم من مرة تنجرح أعيننا.. كم من مرة غدروك وغدرونا.. الأرض أرضنا والوطن ليس لنا.. كم غرتنا الدنيا وعُمينا.. كم سمحنا في قيمنا ومبادئنا.. كم من مرة شراونا ورضينا.. الأرض أرضنا والوطن ليس لنا.. الشمس شمسنا والظلمة سكنت فينا.. كم واسعة سماؤك وصدورنا ضاقت علينا.. لماذا يا بلادي فيك تغربنا ونفُينا؟ بالحب وبالمحبة الوطن يرجع لنا.. الأرض أرضنا والوطن يبقى لنا…”.
للأسف كسر النجاح من قِبل الراعين على الثقافة صار مهمة تمارس بصفة رسمية وسط صمت الطبقة المثقفة.