في اطار الشغل الشاغل المغاربة، وفي راهنية ما يعتمل في المجتمع، بعد قرار الحكومة، القاضي باعتماد المملكة لتوقيت غرينيتش +ساعة، قال مصطفى بنعلي، الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية، في حديثه مع موقع المنعطف، ان إضافة ساعة للتوقيت القانوني، وبشكل دائم، على أن هناك تحول نوعي في المجتمع المغربي. كان على الحكومة أن تأخذه بعين الاعتبار وهي تتخذ قرارها، خصوصا فيما يرتبط بالمؤشرات التالية:
أولا: بنية المجتمع المغربي في تحول مضطرد ومتسارع، فالانتقال الديموغرافي، وما يواكبه من تحولات على مستوى بنية الأسرة المغربية، باعتبارها الخلية الأساس في المجتمع، يؤثر بشكل ملموس على نمط حياة وتفكير المغاربة. وبالتالي على تمثلهم للوقت وعلى وعلاقتهم به. فالوقت عامل من عوامل الإنتاج اليوم، والمغاربة ملزمين بتغيير علاقاتهم بالزمن وتدبيره، والأسرة النووية التي بدأت تطبع المجتمع المغربي تفرض على المغاربة إعادة ضبط ساعتهم على نحو مختلف.
ثانيا: هناك تدني كبير في منسوب الثقة السياسية في المؤسسات بشكل عام، وفي مؤسسة الحكومة بشكل خاص. لم تعد قرارات الحكومة تمر بسلام كما كانت، خصوصا حين تغفل الحكومة تدبير قراراتها بحكمة، ودون صيغ تشاركية. القرار السياسي يجب أن يكون ضمن مخرجات لدراسة متأنية لمدخلات ومطالب تم التعبير عنها بوضوح، لذلك فإن اتخاذ قرار فجائي ثم التفكير من بعد في الإجراءات المواكبة له لن يجدي نفعا.
ثالثا: التحجج بأن تغيير الساعة، أكثر من مرة، مضر بالصحة، على اعتبار انه يشوس على الساعة البيولوجية للإنسان التي تتحكم في الهرمونات ومعدل ضربات القلب والأداء العقلي وغيرها، هو بمثابة حق يراد به باطل، فتغيير التوقيت القانوني للمملكة، الموازي لخط غرينتش، الذي عاش المغاربة على إيقاعه منذ الستينات كذلك مضر بالصحة لنفس الاعتبارات.
والخلاصة أن الحكومة ملزمة باحترام ذكاء المغاربة، فإذا كانت هناك فوائد اقتصادية أو غيرها وراء قرارها يجب عليها أن تصارح المغاربة، وتفتح نقاش عمومي وتقوم باستشارات واستفتاءات للرأي، وأكيد أنه مهما يكون القرار سيكون مقبولا من طرف الجميع.
واضاف ان هذا القرار، وطريقة اتخاذه، أن اختيارات الحكومة مغرقة في الليبرالية المتوحشة، التي تهدف إلى خدمة الرأسمال وحسب، ولا تقيم أي اعتبار للإنسان. فانعدام المساواة متأصلة في مجتمعنا بحكم الظروف التي عاشها المغرب تاريخيا، سواء فيما يتعلق بالتمييز الممارس على أساس الجاه، أو الثروة، أو السلطة الدينية، أو السياسية، أو حتى على أساس الجندر أو غيرها من الأسس، لكن المتتبع لقرارات الحكومة منذ 2011 يلاحظ، بدون عناء يذكر، مدى إمعانها في محاولة تكريس هذه التفاوتات المتأصلة في مجتمعنا، وجعلها تمر للسرعة القصوى.
والواقع أنني لم أطلع على الدراسة العلمية التي صرحت الحكومة بأنها قامت بها لتبين المنافع التي يمكن جنيها من اعتماد التوقيت الصيفي (غرينتش+ 1) بشكل دائم، وذلك بكل بساطة بسبب عدم حصولي عليها، لكن اعتقد أن الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي لا يمكن تعزيزه إلا بالاعتماد على تثمين العنصر البشري وتعزيز مؤهلاته المعرفية والصحية وغيرها. لذلك يبدو لي أن تقديم تنازلات كبيرة بهذا الحجم أمام ضغوطات حفنة من المستثمرين في مجالات الخدمات المنقولة (les services délocalisés) توجه غير صحيح.
وعلى العموم فإن هذا القرار، وكيفية إخراجه، يؤشر على الارتباك الذي تعيشه الحكومة، أما طريقة مواجهة الانتقادات التي خلفها فهي أبلغ تعبير على العجز المطبق الذي تعاني منه في تدبير الأمور.
وفي جانب اخر، قال أن ميزانية 2019 تواجه تحديات وإكراهات كبيرة ومتنوعة ناتجة عن انكماش النمو العالمي، في ظل تنامي السياسات الحمائية والحروب التجارية، وارتفاع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى الصعوبات الهيكلية التي يواجها الاقتصاد الوطني. لكن هذه التحديات مجتمعة لا تشفع للحكومة قرارها وبتلك الطريقة، لأن الاكراه الأساسي الذي يواجه الحكومة هو مواجهة الضغوطات الاجتماعية، والأكيد أن مواجهة المطالب الاجتماعية أصبحت غير مرتبطة أوتوماتيكيا بالموارد المالية، بحيث أن المشاكل الاجتماعية في المغرب لا تتراكم بفعل غياب الإمكانيات المالية، فنصف اعتمادات الميزانية موجهة للقطاعات الاجتماعية.
المشكلة حسب تقديري كامنة في ضعف السياسات العمومية التي تستثمر في الانسان من أجل تثمين الرصيد الوطني من الثروة البشرية، فضعف مردودية الاستثمارات المادية التي تنفقها الدولة، وبالمناسبة هي الأعلى في المنطقة، ولكنها هي الأضعف من حيث المردودية، تلقي على الحكومة مسؤولية مراجعة تدخلاتها الاجتماعية في اتجاه تثمين الرأسمال اللامادي المنتج.
والخلاصة أن قرار الحكومة ينم عن مجانبتها الصواب في فهم المشاكل التي يعاني منها المغاربة والناجمة عن التحولات التي تكلمنا عنها في البداية. وصلب المشكلة التي تعاني منها الحكومة في هذا الباب هو عدم استيعابها بأن القرارات الكبرى والمصيرية التي ترهن مستقبل المجتمع والدولة، أولا ليس ضروريا أن تتعلق باستثمارات مادية، ثانيا وهذا هو الجوهر يجب أن تكون محط نقاش وطني عمومي وتشاركي مسبق قبل اتخاذ القرارات الحاسمة بشأنها.