بقلم : أحمد نور الدين
العدوان الذي شنته الجزائر خلال اليومين الأخيرين على منطقة المحبس، يدخل ضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات العسكرية على المغرب خلال السنوات الأخيرة ومنها احتلال واحة العرجا قرب فكيك، ومنها قتل شبان مغاربة على شاطئ السعيدية، ومنها الاستفزازات اليومية على طول الحدود المغربية من السعيدية إلى تندوف، مرورا بالأقصاف التي تطلق على مواقع الجدار الأمني في الصحراء، ينضاف إليها طوفان العدوان الدبلوماسي والمعارك اليومية في المنظمات الدولية والبرلمانات القارية والمحاكم الدولية، وابتزاز الدول التي تدعم المغرب بسحب السفراء او مقاطعتها اقتصاديا ان استطاعت إلى ذلك سبيلا. ولا ننسى العدوان الإعلامي اليومي والتصريحات الهجومية للرئيس الجزائري في خطاباته الرسمية وتصريحاته، وتهجم كل القيادات السياسية والعسكرية الجزائرية بدون استثناء، ووصل الحقد الأسود حدّ الاعتداء الجسدي على الرياضيين المغاربة في ملاعب الكرة في وهران والجزائر وقسنطينة، وتوسعت الحرب لتستهدف قرصنة التراث المغربي المادي واللامادي، والتشهير والتشنيع بالرموز الوطنية المغربية، وغيرها من جبهات الحرب العدوانية التي تشنها الجزائر ضد المغرب منذ سنوات..
لقد وقعت نقلة كمية ونوعية في منسوب العدوان والكراهية، وتضاعفت ميزانية الجيش الجزائري لتنتقل من عشر (10) مليارات دولار كمتوسط سنوي خلال العشرين سنة الماضية، ليصل إلى 21 مليار دولار سنة 2024، ثم 25 مليار دولار سنة 2025، وهي بلا أدنى شك ميزانية للحرب وليست ميزانية للدفاع، خاصة حينما نعلم أنها تمثل ثلث موازنة الدولة الجزائرية كلها، في بلد يعاني فيه المجتمع من تدهور البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، بل ويقف فيه الناس في طوابير للحصول على مواد غذائية أساسية كالحليب والزيت والعدس، او للحصول على عجلات لسياراتهم!
إنها مؤشرات خطيرة وتنذر بخطر وشيك لاندلاع الحرب، فكل هذه المعطيات تفرض علينا أخذ التهديدات الجزائرية على محمل الجد، فمن أراد السلام عليه أن يستعد للحرب كما تقول الحكمة المعروفة.
ولكن إذا كانت الحرب ضرورة لا مفر منها فعلينا أن نختار التوقيت والمكان اللّذين يناسبان المغرب، وعلينا ألا ننساق وراء التوقيت والمكان اللذين يختارهما العدو، فاختيار المكان والزمان هو نصف الانتصار في المعارك كما يقول “صان تزو”، حكيم الصين وأشهر منظر للحرب منذ 2500 عام.
وإذا كانت الجزائر تخوض ضدنا حربا حقيقية بالسلاح منذ نصف قرن وبشكل مباشر كما وقع سنة 1976 في معركتي أمغالا واحد وأمغالا اثنين؛ وتخوضها بشكل غير مباشر بواسطة ميليشيات “البوليساريو”، فإنّ لنا ألف أسلوب وألف طريقة لرد العدوان، ولدينا ألف ميدان وساحة لخوض الحرب بأشكال مختلفة دون حاجة للخول في مواجهة مباشرة. وبالعودة مرة أخرى إلى مُنظّر الحرب “صان تزو” نقرأ في كتابه فن الحرب أن “أعظم انتصار في الحرب، هو الانتصار الذي تحققه بدون قتال”، أي قبل خوض المعارك العسكرية. وفي هذا الباب كتب العديد من منظري ومؤرخي الحروب بأن التغلب على العدو بالمفاجآت التكتيكية، وتعميق نقاط ضعفه، ومفاقمة مشاكله الداخلية، والزيادة في مصاعبه ومعاناته، وبالحرب النفسية، ونضيف إليها اليوم الحرب الإلكترونية والسيبرانية، أفضلُ وأقلّ تكلفةً من خوض المعارك ضده في ميدان مكشوف وبالأسلحة المعروفة..
وأعتقد جازماً، أننا كمغاربة في موقف أخلاقي، يسمح لنا اليوم باستعمال كل الوسائل لإضعاف العدو وإلحاق الخسائر الفادحة في صفوفه، وذلك دون أي وخز للضمير. فالمغرب التزم بموقف مسالم ودفاعي عن أرضه رغم كل الاعتداءات، ولم يزد الجزائر ذلك إلا استكباراً وطغياناً وعناداً وإصراراً على مواصلة عدوانها وبغيها على بلدنا طيلة نصف قرن. والمغرب طالب مراراً وتكراراً وعلى لسان أعلى سلطة في الدولة وهو الملك بالصّلح، ودعا في خطابات رسمية سَمِعها العالم كله، إلى إحداث آلية مشتركة بين البلدين لحل كل المشاكل العالقة. وفي المقابل أعلنت الجزائر رفضها لكل المبادرات الملكية والعربية والدولية للوساطة، ورفضت إدراج المصالحة بين البلدين في جدول أعمال القمة العربية المنعقدة في الجزائر سنة 2022، ورفضت وساطات رؤساء دول مغاربية وعربية وافريقية وحتى أوروبية، بل وفي ردها على دعوات المصالحة الملكية قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب سنة 2021، وأغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المدني المغربي بما في ذلك طائرات حجاج بيت الله الحرام المتوجهين إلى مكة المكرمة، وهي خطوة لا تقوم بها الدول إلا في حالة الحرب.
بل إن الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال خلال محاكمته في قضية تبديد حوالي 34 مليار من الميزانية الجزائرية، صرح أمام القاضي أنها كانت موجهة من أجل ضرب صناعة السيارات في بلد مجاور، يقصد المغرب، بمعنى أن الجزائر تخوض حربا قذرة مفتوحة وشاملة ضد المغرب لا تستثني حتى المجال الاقتصادي. بل وصل الأمر إلى فتح الجزائر ما أسمته سفارة “جمهورية الريف” لديها، متجاوزة بذلك كل الخطوط الحمراء وعلى كل المستويات.
بعد كل هذه الوقائع والمؤشرات العدوانية، أظن أننا في موقع يسمح لنا باستعمال كل الوسائل لضرب قدرات الجزائر وإضعافها، ودعم كل الجهات التي لديها خلاف مع النظام الجزائري داخليا وخارجيا وتحريك كل خيوط النزاع في جوارها المباشر، والسعي بكل الطرق والامكانيات للردع والرد على العدوان من خلال مفاقمة كل أزماتها، ومضاعفة كل مشاكلها وتفتيت أوصالها وتفكيك نسيجها. فالدفاع عن النفس حق مشروع تكفله كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.
يقول تشرتشل : «من السهل أن تبدأ الحرب، ولكن من الصعب أن تنهيها..» بمعنى آخر أن انطلاق الحرب يمكن أن يكون بقرار أهوج غير محسوب، ولكن نتائجها لا يمكن التحكم فيها نهائيا، لأن معادلة الحرب تتحكم فيها متغيرات يصعب حتى على المتخصصين أن يحصروا قائمتها، فهناك عوامل خارجية وهناك مراكز صنع القرار العالمي، وهناك قوة الاقتصاد وقدرته على الصمود، وهناك قوة العقيدة العسكرية التي تختلف بين موقع العدوان وموقع الدفاع الشرعي، وهناك تماسك الجبهة الداخلية، وهناك التحالفات الاستراتيجية والعسكرية التي تجمع البلد بدول وتجمعات وتحالفات دولية، وهناك سلاسل الإمداد اللوجستي بمختلف أنواعها من الماء والغذاء إلى الذخائر وقِطع الغيار للأسلحة، وهناك قوة الاستخبارات للحصول على المعلومة ولتعمية العدو عن المعلومة، وهناك تكنولوجيا الاتصال والمواصلات، قبل أن نصل في نهاية المطاف إلى نوع تكنولوجيا السلاح ومدى فعاليتها وقوتها.. هناك ألف مؤشر ومتغير آخر في معادلة الحرب. لهذه الأسباب فإن قرار الحرب يبقى قرارا استراتيجياً بامتياز ولا يمكن أن ينفرد به الجيش وحده، وفي هذا المعنى سجل التاريخ مقولة «الحرب أخطر من أن تُترك للجنرالات» لصاحبها “جورج كليمنصو”.
والحال أن الجزائر بأكملها دولة مختطفة من قبل العسكر، كما قال فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة الجزائرية، ويتحكم الجنرالات في قرار الجزائر منذ انقلاب 1965 الى اليوم. لذلك يمكن أن نتوقع من الجزائر كل شيء بما في ذلك شن حرب إقليمية دون سابق إنذار.
وهذا أمر خطير للغاية، ولكنه في نفس الوقت نقطة ضعف كبيرة لدى العدو لأنه يضع كل بيضه في سلة العسكر، ويعتمد على ما لديه من عتاد عسكري روسي أثبت ضعفه إن لم نقل فشله في حرب “ناغورني كاراباخ” وفي حرب أوكرانيا، كما يُغفل الجنرالات بقية العوامل الاستراتيجية التي ذكرنا بعضا منها.
إن الجزائر تعيش على وقع أزمة اقتصادية بنيوية خانقة، هي نتيجة اعتماد شبه كلي في اقتصادها على ريع النفط والغاز. وأكيد أن تصاعد ميزانية الجيش الجزائري ستعمق هذه الأزمة وتُفاقمها، وتُضعف الدولة وتسير بها إلى نفس مصير الاتحاد السوفييتي الذي انهار لعدة أسباب، كان من أهمها هيمنة ميزانية الجيش الأحمر على موازنة الدولة. لذلك علينا نحن المغاربة أن نعمق توجه الجزائر ونستدرجها نحو مواصلة تسلحها الجنوني، مع الحرص على أن نتجنب ما استطعنا الدخول في حرب مباشرة ةو على الأقل نؤخرها، لأن تغول ميزانية الجيش الجزائري كفيل لوحده أن يخرب الدولة العدو وينخرها من الداخل كما ينخر السوس العود، ويسقطها كما سقط الاتحاد السوفييتي رغم امتلاكه ترسانة غير مسبوقة من أسلحة الدمار الشامل، وبذلك نقتل الأفعى بسمها وحدها ودون اللجوء إلى قطع رأسها بأيدينا.
ولكن في نفس الوقت يجب أن نرفع درجة اليقظة إلى المستوى الأحمر، وأن نواصل الاستعداد للخيار الأسوأ، وإذا فُرضت علينا هذه الحرب فستكون مناسبة لتصحيح مجرى التاريخ واسترجاع أزيد من مليون ونصف مليون كيلومتر مربع من أراضي المغرب التاريخية في الصحراء الشرقية.