مع احتدام المعارك في الموصل يبقى السؤال: أين سيتم تصريف الدواعش؟ خاصة في ظل الانسحابات الكبيرة التي يقوم بها مسلحو التنظيم أمام تقدم الجيش العراقي مسنودًا بقوات قتالية من 64 دولة.
التصريحات والتقارير تشير إلى أن هناك دولًا تسعى لإعادة تدوير داعش؛ استخدامها مجددًا، ولكن هذه المرة في سوريا، وبالتحديد في الرقة، فمرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون قالت إن التقدم العسكري الأمريكي في العراق يساعد على إخراج داعش من هناك وحصر التنظيم في مناطق ضيقة من سوريا.
داعش ولعبة القط والفأر
في عام 2015 قال محمود السورجي، المتحدث باسم قوات الحشد الوطني في محافظة نينوى شمالي العراق، إن تنظيم داعش نقل عائلات قادته ومسلحيه من مدينة الرقة السورية إلى مدينة الموصل، خشية تعرضهم لغارات طيران التحالف الدولي، الذي يستهدف معاقله بكثافة داخل الأراضي السورية.
اليوم تشير المعلومات إلى هجرة عكسية يقوم بها داعش من الموصل إلى الرقة، فداعش عندما تزداد الضغوط عليه في سوريا يلجأ إلى العراق، وعندما تزداد عليه الضغوط في العراق يشد الرحال إلى سوريا، ففي شهر أغسطس الماضي أكد مصدر أمني في محافظة نينوى العراقية أن تنظيم داعش نقل ملفاته المهمة التي تتضمن قاعدة بيانات بشأن عناصر التنظيم ومخططاته من الموصل الى الرقة في سورية، مؤكدًا أن التنظيم نقل عددًا من مقراته الرئيسية إلى بيوت سرية في الموصل.
تصرفات داعش في التعامل مع الطريق الواصل بين الرقة والموصل بأريحية تشي بأن هناك ممرات آمنة لهذا التنظيم تؤمنها دول داعمة له، حيث قال مصدر من داخل مدينة الموصل العراقية إن تنظيم “داعش” أخبر مقاتليه المصابين بأنه يمكنهم الرحيل إلى مدينة الرقة، معقل التنظيم في سوريا، وذلك قبل أيام من استعدادات السلطات العراقية لعملية تحرير الموصل من قبضة التنظيم، والتي بدأت الثلاثاء الماضي.
وأفاد مصدر آخر من داخل مدينة الرقة هذه المرة، الاثنين الماضي، بأن 10 حافلات و12 سيارة محملة بعوائل أجنبية لعناصر داعش وصلت من مدينة الموصل العراقية.
وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لوكالة “رووداو” الكردستانية إن “العديد من عناصر تنظيم داعش وصلوا إلى مدينة الرقة، من بينهم عدد من عائلات لمقاتلي التنظيم المهاجرين، مع مرافقة عسكرية” مشيرًا إلى أن العائلات التي وصلت إلى المدينة تم إسكانها في السكن الشبابي بحي الرميلة.
وتحدثت تقارير مطلعة عن أن الإدارة الأمريكية لديها مشروع لتكديس مسلحي داعش في المنطقة الشرقية بسوريا، أي في الرقة ودير الزور، وعلى امتداد الأراضي العراقية، بمعزل عن منطقة الأكراد.
التعاطي الأمريكي مع داعش بهذه الطريقة ليس الأول من نوعه، ففي معركة الفلوجة والأنبار كان الأمريكيون يفتحون الطرق أمام داعش المهزوم؛ للخروج إلى سوريا وتحت أعين الطائرات الأمريكية بدل قصفهم وضربهم.
التعاون الأمريكي مع داعش أكده الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عندما قال إنه خلال التحضير لعملية الموصل، كانت هناك مساعٍ لفتح الطرق أمام داعش؛ للخروج من الموصل والتوجه إلى الرقة ودير الزور، والدليل على ذلك هو تخلف الأمريكيين عن معركة الرقة، وأكد نصر الله أن الهدف من الغارات الأمريكية على مواقع الجيش السوري في دير الزور هو إسقاط مواقع الجيش؛ ليسقط المطار ثم المدينة بالكامل بيد داعش، لأن أمريكا تريد لداعش أن يسيطر على دير الزور والرقة، فيما لم يعد بقاء داعش في شمال حلب مهمًّا لأمريكا، وتركته للأتراك.
داعش والخطة التركية
بحسب الكاتب التركي عبد القادر سلفي، المقرب من الحزب الحاكم العدالة والتنمية، فإن تركيا اقترحت فتح طريق لهروب “داعش” خلال تنفيذ العملية، موضحًا أن هناك طريقين: الأول عبر سوريا، إلا أن أنقرة تعتقد بأن تجمع كل قوات “داعش” في سوريا له مخاطر كبيرة، ويغير موازين القوى في سوريا، ومن المحتمل أن يتوجه الإرهابيون نحو شمال سوريا.
والثاني هو طريق الجنوب، وإذا توجهت قوات “داعش” من هذا الاتجاه، فستشكل تهديدًا لاستقرار الأردن وإسرائيل.
العراق وسوريا وروسيا وتحركات داعش
أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه أعطى توجيهاته لتحديد ممرات آمنة للمدنيين، الذين قد يفرون خلال المعارك التي بدأت قبل يومين ضد “داعش” في الموصل، وقال إنه من واجب الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة منع متشددي “داعش” من الهروب من الموصل إلى سوريا, وأضاف أن من مسؤولية الائتلاف قطع الطريق على “داعش” إلى سوريا.
من جهتها حذرت سوريا من أي تلاعب مستقبلي بداعش على الحدود السورية العراقية، وقال قائد العمليات الميدانية لحلفاء الجيش السوري في حلب إن لديه معلومات مؤكدة ودقيقة، تفيد بأن أمريكا تعمل بقوة مع السعودية والكيان الصهيوني؛ بهدف إسقاط مدينة الموصل من يد داعش بطريقة مسرحية، بحيث يتم نقل داعش إلى سوريا من دون أي أضرار تلحق بالتنظيم.
وجاء في بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في دمشق أن “الخطة التي تزعمتها واشنطن والرياض تتضمن تأمين طرق وممرات عبور آمنة إلى داخل سوريا، والسماح للمتشددين بتعزيز وجودهم في شرق سوريا”، وأضاف: “أي محاولة لعبور الحدود هي بمثابة اعتداء على سيادة الجمهورية العربية السورية، وكل من يقدم على هذه المحاولة يعد إرهابيًّا، وسيتم التعامل معه بجميع القوى والوسائط المتاحة”.
كما حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن موسكو ستتخذ إجراءات عسكرية إذا حاول عناصر “داعش” في الموصل التسلل إلى الأراضي السورية، هربًا من هجمات القوات العراقية، وقال إن القوات المشاركة في العملية لم تطوق المدينة تمامًا، و”لا أعرف السبب، وربما لم يتمكنوا من تطويقها تمامًا. وإنني آمل في أنهم كانوا عاجزين عن ذلك، وفي ألا يكون ذلك أمرًا متعمدًا”.
ونبّه أن هذا الممر الذي لا يزال مفتوحًا يُبقي خطر خروج “داعش” من العراق إلى سوريا قائمًا.