أستيقظ هذا الصباح بعينين مثتاقلتين وأفتح صندوق رسائل الواتس آب والفيسبوك كأول نشاط يومي ألفناه منذ أن ارتبطت أيامنا بالهواتف الذكية. وكما جرت العادة نذهب أولا لرسائل المقربون. لتكون من ضمنها رسالة محملة بنسائم إسطنبوليَّة صافية من شخص عزيز هو من أشراف الشام. طول معرفتنا الإلكترونية بطول مدة الحرب السورية تقريبا، وعمقها بدرجة عائلة بعد أن تعرف كل من أفراد العائلتين بالآخر عبر المكالمات والرسائل.
لوهلة رقصت إسطنبول أمامي كما أعرفها من خلال الصور بموسيقى مسلسل نور ومهند الرقيقة ليقفز ذهني مباشرة لصوت قذائف الحرب نظرا لتوليفة هذا الصديق
تقول الرسالة:
هل تعلمين ما هو أجمل شيء فيكي يا مريم وهو ما يجعل الناس تحبك؟؟! هو أنه في وجهك نور رحماني يجعل كل تقاسيمك جميلة وفي كل الأحوال. و الشيء الثاني هي كلماتك.
كلماتك دائما فيها طيبوبة تنعش الروح وتدفئها. شيء افتقدناه بنساء بلادنا.
وكلمات الأنثى يجب أن يكون فيها حنان وطيبة.
وأنت ما حكيت جملة إلا وفيها
كلمة ثناء أو دعاء أو احترام لدرجة التفخيم.
حتى عندما تقولين (ربي يكرمك).
هذه ليست طريقة عادية وأنا أعلم أنك تقومين بها بعفوية.
ونحن ونساءنا للأسف فقدنا هذا المستوى من الإحساس صراحة.
كنت أفكر دوما في معنى الأنثى. ووصلت لنتيجة أني ما صادفت يوما (( انثى )).
تعرفت على نساء كثيرات نعم. جميلات محترمات متعلمات، لكن الأنوثة أمر مختلف تماما.
المرأة بيولوجيا هي صدر وخصر وجسد ناعم …إلى آخره.
لكن الأنثى شيء آخر. في مفهومي أنا تعني أنها خلقت انثى بطباعها ما بين اللينة والناعمة والرقيقة، والراقية الرحيمة والودودة، تلك التي تحب الذكر وترحمه وتروضه بالقدوة ولطف الحنان. وهو أكثر شيء يجعل الناس تحبك وما بتعرف ليش (لطف الحنان).
أوقات أتساءل بيني وبين نفسي من ستحبين يا ترى؟! من سيكون هذا المحظوظ الذي ستغدقين عليه بتلك الأنهار والجداول من العطف والحنان الذي بداخلك.
لا أعلم لماذا خطر لي اليوم أن أسألك “يا ترى ممكن أعرف شو طبيعته، قبل أن يصل إليك؟؟؟!”.
أقرأ ما كتبه لي هذا الصامد الرائع بروح الإمتنان لجمال هذا التقدير والحس العالي. وأسرح في بيتهم في نواحي دمشق الذي كان من البيوت التي اعتادت مجالس الذكر والأنوار الرحمانية وتجمع العلماء.
عالم يعترف أنه لا يفهمه وفي ذات الوقت يحبه ويحب أهله لأنه يمده بالطمئنينة وراحة البال وسكينة الروح وهو أكثر ما أحبه في أهل المغرب حسب قوله لي. الروح الصوفية الفطرية التي تشبه الروح الشامية الأصيلة.
أجيب بعد جولة خيالي السريعة وبعد التصبيحة : أجيبك بعد أن أستيقظ جيدا لأعرف ماذا أقول لك يا صديقي. فتركيزي مشتت الأن.
هو : على العكس، خليكي مكانك وأجيبي بدون تفكير لأنها الإجابة الحقيقية.
أنا : حاضر… سوف أحاول رغم أني حساسة جدا من الحديث في الخصوصية فكما تعلم. ليس الكل يدرك ويفهم.
ما يخطر في بالي الأن ودائما. أن يكون كما تقولون في الشام “مرتب”، يعني دقيق وكل شيء مدروس. فيه حس الدقة بشكل ملحوظ. ألوان الملابس متناغمة، لا يجلس أو يمكث في مكان إلا وهو منظم، مهتم بتفاصيله ويجتهد في عمله. يهوى اللون الأبيض والنظافة. النظافة من الإيمان والأبيض من التجلي وهو بريق الروح الصوفية.
مهذب لكن ابن نكتة. محترم وخلوق لكن منفتح ومباشر. ليست من مشاكلي أن يكون “عيونه زايغا”، لكن لا يكون رخيص وعديم عهد. جريء يحب المغامرة والتجربة وذكي يعرف كيف يبرز مواطن القوة فيا لأن طبعي الحذر والكتوم يجعلني أفضل الصمت والإبتعاد لكن مع المغامر الذكي سيكون الأمر مختلف.
طبعا أنا أحكي لك عن تفاصيل سلوكية بسيطة وعامة لكنها جوهرية بالنسبة لي، لكن في جملة مختصرة هو اني أشعر أني أحببته وأنه متمسك بي. والحب ليس شعور من فراغ، لكنه يبنى على أساسيات وجدت فيك، النظافة والنظام والدقة هي أمور لا أتخلى عنها أبدا زد عليها الحب الأكبر أن يكون شغوف بالمعرفة ويهوى الأمام. لا أتحمل النمطي المستكين.
هو : بتعرفي شو؟ أنت طفلة بداخلك. فهذه مواصفات صبية تحلم وليس صورة واضحة عن الشريك.
أنا مازحة : أكيد ليس عندي له أي صورة.. فلم أقابله بعد.
أكمل : هل تعلم ماهو الأجمل من الروضة والكعبة يا صديقي؟؟!
هو : ماذا؟؟
أنا : هو الشوق إليهما. لكن حين تصبح هناك يصبح مدى معرفتك وهمتك وإخلاصك هم مقدار نشوتك من هذا الشوق. كذلك فكرة تمني الشريك. فمثلا مثلي أنا ومثل بناتك أنت، الأصل أننا نتمنى الخير لكن عمق النية والإخلاص هما من سيخبروننا عن مدى استحقاقنا له.
لذلك وفي هذا الموضوع بالذات لا يوجد عندي ما أقوله.
هو : أريدك أن تتوسعي وتفضفضي فيه لتقولي فعلا ما في خاطرك. أحب أن أعرف.
أنا : هي أمور لا نتحدث عنها لكن يفهمها الناس الصح. التقدير ولطف المعاملة. تلك الخصلة البهية
“التقدير”. فقمة الإنسانية في الآخر تتجلى في مقدار تقديره للآخر كما هو وعلى ماهو عليه وأن يعتز به كما هو. أحب أن أكون في حياة من أحب كضوء عينيه والشمس التي يحب أن يشرق بها بين الناس. أختنق لمجرد الفكرة الإقتراب من رجل قمعي أو غيور أو يهوى نفوذ الرجولة.
كن حبيب بدرجة صديق فالحبيب المتملك خانق بالنسبة لي.
أكمل متسائلة : لكن قل أنت..! كيف يجب أن يكون جواب شابة ناضجة لأخرج من دائرة الصبية التي تحلم كما قلت. من هو هذا الذي تتمناه لي لربما توسعت معك في الرؤية؟
- أنا ومن خلال تحليلي لشخصيتك بحيادية، أرى أن الرجل صحيح لك هو ذاك الذي يصل لمفهوم انك متعة الأنس ويطلب جوارك في حياة الدنيا والآخرة. ساعتها بس بيكون قدرك، وهذا هو اللي لا تضيعيه من إيديك.
هذا هو النموذج الوحيد الذي سيستطيع أن يستمتع ولا يرهقه أبدا أو يزعجه صفائك وإنطلاقك ومفاجآتك ويتفاخر بنقاءك ويدعمه ويمدك بمزيد من الثقة.
ولازم يشوفك قصه مهمة وليس مرحله لازم تتغير مع الزمن أو ذهول عابر. إنت مو للسهل أبدا.
وأنا بعرف أنك بتترددي وتخبي عنك وعن كل الي حواليكي وتحكي بالتقسيط وتخافي من سوء فهم وبتخافي من الفشل، لكن أنا بدي ياكي تحكي بدون مجاملات أو خوف أوقلق أو ترتيب.
…… أنا : صدقت أنا كتومة جدا بخصوص مشاعري. أشعر دوما أنه لن يفهمني أحد وهو ليس فقط شعور هو حقيقة أيضا. وربما هو السر الذي يمدني بالقوة في محاولة فهم غيري. فأرتاح براحته وأطرد عني كل ما كان مبهما بالنسبة لي من مشاعر نحوه.
….. أكمل : هل تعلم ماهي أهم صفة خلقها الله في البشر يا صديقي. هي تقدير قيمة من أمامك وقيمة كل شيء أوجده، وأنا حين أشعر بخدش بسيط في التقدير ولو بدرجة لمسة ريشة أشعر بغربة وأحاول الإبتعاد وقد أبكي بحزن دفين. فكيف يفهمك من هو بعيد عنك في درجة الحس بمستويات مهولة. ومن أنت بعيد عنه بملايين السنين الضوئية من التفكير والنبش في دهاليز الحقائق.
هو : خوديها مني نصيحة يا مريم، لا تبحثي أبدا عن قيمتك بين الناس، وافرضي دوما قيمتك عليهم ولا تقبلي بوجود أي شخص في حياتك لا يراك قصة مهمة. وأنا بعرف شو عم قول لأني بحياتي ما أخطأت تقدير الشخص الذي أمامي وإنت تقديرك عندي روح طاهرة يا مريم. ومو بس جميلة.. لكن صاحبة جمال راقي.
أنا : تسلم يا صديقي وسلامي للبنات وإسطنبول وصباح الخير مره تانية
✏️ مريم عرجون مدونة مغربية