اسماعيل كايا وسعد الياس / اسطنبول . بيروت
تتصاعد ردود الفعل التركية على تصريحات الرئيس اللبناني ميشيل عون التي هاجم فيها تاريخ الدولة العثمانية، وسط توقعات بأزمة دبلوماسية بين البلدين بعد أقل من أسبوع على زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى بيروت ومساعيه لتطوير العلاقات الثنائية بينهما.
بيروت تطالب بالاعتذار عن الرد «غير اللائق على رئيس الجمهورية»
وفي مناسبة الذكرى المئوية لتأسيس لبنان، كتب عون، السبت: «كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابَل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية. إن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصاً خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات آلاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة».
والأحد، أدانت الخارجية التركية تصريحات عون بشدة، وجاء في بيان الخارجية: «ندين بأشد العبارات ونرفض كليا التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها عن الحقبة العثمانية، واتهامه للإمبراطورية العثمانية بممارسة إرهاب الدولة في لبنان»، مشددة على اعتزاز الجمهورية التركية بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية.
وفي هجوم غير مسبوق على الرئيس اللبناني، قالت الخارجية التركية: «تجاهل الرئيس عون لما جرى في فترة الاستعمار، التي هي أصل كل مصيبة في يومنا، من خلال تحريف التاريخ عبر الهذيان، ومحاولته تحميل مسؤولية تلك الأمور للإدارة العثمانية، إنما هو تجل مأساوي لشغفه بالخضوع للاستعمار»، معتبرة تصريحاته «لا تتماشى مع العلاقات الودية بين البلدين، ومؤسفة للغاية وغير مسؤولة»، مذكرة بأنها تأتي بعد أسبوع من زيارة تشاووش أوغلو إلى بيروت.
هذه التصريحات الحادة، أثارت غضب لبنان الذي أصدرت وزارة خارجيته، الاثنين، بياناً غاضباً، قالت فيه إن «التخاطب بهذا الاسلوب مع فخامة رئيس البلاد أمر مرفوض ومدان، وعلى الخارجية التركية تصحيح الخطأ، لأن العلاقات التركية اللبنانية أعمق وأكبر من ردة فعل مبالغ فيها وفي غير محلها. وستتابع الوزارة الإجراءات المطلوبة لتصحيح الخطأ حسب الأصول الدبلوماسية ومنع إلحاق الضرر بالعلاقات بين البلدين».
وتأزم الوضع إذ استدعى مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية غدي خوري السفير التركي هاكان تشاكل لاستيضاحه حول مضمون البيان الصادر عن الخارجية التركية.
واعتبرت الخارجية اللبنانية أن كلمة عون «تضمنت سرداً لواقع بعض الأحداث التاريخية التي واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، وقد تخطاها الشعبان التركي واللبناني اللذان يتطلعان إلى أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية في المستقبل، حيث ما يجمع البلدين أكثر بكثير مما يفرقهما، والتحديات المشتركة كبيرة تستوجب العمل معا وليس التفرقة». كما غرد وزراء وشخصيات لبنانية مختلفة ضد بيان وزارة الخارجية التركية، معتبرين أنه «تجاوز كبير بحق رئيس الجمهورية اللبنانية»، مطالبين باعتذار تركي.
من جهته، شدد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك، الاثنين، على رفض بلاده كلياً لتصريحات عون ضد الدولة العثمانية، ووصف تصريحات عون بأنها «ضيقة وغير مهذبة»، مشدداً على رفض وصف الدولة العثمانية بـ«الدولة الإرهابية».
ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي، شن هجوماً عنيفاً على عون، وذلك في مقال له نشر الاثنين في صحيفة يني شفق التركية، جاء فيه: «خرج علينا الرئيس اللبناني ليرمي بياناً فاضحاً بعيداً عن الحقائق التاريخية والأعراف السياسية، كما أنه بعيد للغاية عن قيم الشعب الذي يمثله»، مضيفاً: «ما قاله عون ليس إلا خطاباً تاريخياً مشوهاً يمثل نموذجاً لحالة الشعور بالذنب».
وأضاف أقطاي: «بالطبع ليس كذباً أن تركيا تسعى لأن تكون قوية وعظيمة وغنية في اقتصادها، ولكنها تقوم بذلك عبر احترام حقوق وقوانين جميع الدول وبشكل لا يتنافى مع السلام، ولا توجد لها مطامع أصلًا في تراب أو سيادة أيّ أحد، ولكن مهما قامت تركيا بترديد ذلك فإن خوفهم من الدولة العثمانية كابوس لا يفارقهم، ولا يفارقهم الشعور بأن يومًا ما سيأتي وستأخذ تركيا انتقامها من خيانتهم».
وتفجرت هذه الأزمة بعد نحو أسبوع فقط على زيارة تشاووش أوغلو إلى بيروت التي التقى خلالها الرئيس ميشيل عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الوزراء سعد الحريري، ووزراء لبنانيين آخرين، وجرى خلال اللقاء التأكيد على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين حيث تسعى تركيا للتنسيق مع لبنان فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز في شرقي البحر المتوسط. وأصدرت هيئة علماء المسلمين في لبنان بياناً ضد تصريحات عون قالت فيه «الخطاب تضمّن تزييفاً للحقائق وقلباً للأدوار؛ فحوّل الحكم العثماني الإسلامي إلى احتلال، والاحتلال الفرنسي المسيحي إلى نفوذ، وإذا أضفنا الصور التي لا تمحى مع الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، يظهر الموقف المختل من المحتل»، وأضافت: «التناقض بين التحريض الطائفي في أول الخطاب، والتحذير من الطائفية في آخره، يظهر حال الفصام السياسي المريب، ويطرح علامات استفهام حول الجهة التي قامت بكتابة النص».