عزالدين الماعزي / الصويرة
في معرض (لندع الحديد يتكلم) للنحات المغربي محمد أبو ناصر في مدينة الصويرة أو (موكادور) كما كان يطلق عليها قديما، تبدو أعمال النحات المغربي محمد أبو ناصر كالأشكال الحديدية والقضبان المعدنية وبقايا حيوات عجائبية أخرى لا حدود للتخيل فيها، إحداها على شكل كتاب مفتوح وأخرى طائر جريح ، دراجة نارية او عادية وأخرى أباريق تنتفخ وتنفتح وأقفال تقف وترصد ولوالب تمشي على ذيل الحديد. الحديد الذي له شعلة المعنى والتطهر من الصدأ، الحديد الذي يوحي ببلاغة جاهزة تستميل عين المتلقي وتغافله وتدفعه للمس تلك الأعمال والقبض عليها.
الحديد يتكلم
فيما يخص أول عمل أنجزه فلا يسعه إلا أن يتذكر البداية، كانت بصنع الشمعدانات، التي باتت مع مرور الوقت تأخذ أشكالا مختلفة مع كل عمل جديد ينجزه، وردة مثلا أو شكل شخص يحمل مشعلا وهكذا، ثم أصبح يضيف إلى الشمعدانات التي على شكل وردة بعض الحشرات الصغيرة كالفراشات، أو النحل، كان ذلك بمحض الصدفة حين جاءته يوما نحلة حقيقية، فحطت على أحد هذه الشمعدانات، وظنّها وردة حقيقية فألهمته صنع ذلك! فالفنان لا ينجز منحوتاته إلا عن رغبة الإلهام الذي يتلبسه، فلا يستطيع إلا أن ينجز ما يملى عليه بطمأنينة، الذي يبحث بحبّ عن التفاصيل الصغيرة المبعثرة هنا وهناك. هذه البداية التي استمرت حتى آخر معارضه (لندع الحديد يتكلم).
لغة النمل
وعن الموازاة بين النحت والكتابة، يقول أبو ناصر إن الكتابة هي التي فتحت له آفاق النحت، ومعظم المنحوتات استلهمها من الكتب، ولا يظن أن أحد العملين النحت/الكتابة يطغى على الآخر. كانت بدايات الكتابة شعراً، وبعدها جرب كتابة الرواية ولم تسعفه ثم القصة القصيرة، تأثر كثيراً بالقرآن الكريم وبـ»سورة النمل» على الخصوص، هذه المخلوقات الصغيرة المتميزة بالتضامن والإخلاص وحب العمل. فتبدو ثيمة (النمل) في كافة منحوتاته ومخلوقاته تنصهر مع بعضها بعضا، وما يشبه ذلك بوعي أو بدونه في صورة غلاف مجموعته القصصية التي بعنوان «حديث النمل» تمثل نملة تقرأ في كتاب يقول إنه كتب مجموعة من النصوص القصصية حاول فيها إذابة حديد المعنى من معنى الحديد الاجتماعي المثقل الذي يكبل ويسيج أفكارنا، لذلك ففن النحت عمل مضن يحتاج إلى جهد والكتابة القصصية جهد آخر بقيمة مضافة.
ما بين الرؤية والاكتفاء بالنظر
وبسؤال أبو ناصر عن فن النحت ومساعدته على إيجاد الحقيقة أو أجوبة الغامض والخفي، يقول، شتان بين النظرية والرؤية، مع الأسف غالبية البشر اعتادوا النظر بدون أن يتمكنوا من الرؤية، وليس من رأى كمن سمع، أعمل تحت مطارق وعويل الحديد، وموسيقى منحدرة متكررة، ومن خلال عملي أحاول كشف الحقيقة أكثر من مجرد تجسيد الجمال والبحث.