اسماعيل كايا / اسطنبول
أثارت الرسالة التي أرسلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان غضباً عارماً في تركيا بعد الكشف عنها الخميس، معيدة الذاكرة إلى رسالة جونسون الشهيرة التي تشابهت معها في الظروف والسياق والمضمون عام 1964.
والأربعاء، بدأت تتسرب معلومات عن مكتوب أرسله ترامب إلى أردوغان في التاسع من الشهر الجاري، قبيل ساعات من بدء الجيش التركي عملية «نبع السلام» ضد الوحدات الكردية شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، تضمن تهديدات و«إهانات» غير مسبوقة، لكن مصادر تركية قالت إن اردوغان رد على ذلك ببدء عملية «نبع السلام».
وقبيل 55 عاماً، أرسل الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون مكتوبا إلى رئيس وزراء تركيا عصمت إينونو هدد فيه بعقوبات كبيرة في حال تنفيذ عملية عسكرية في قبرص وبفرض حظر على الأسلحة، ولوح بتجميد عضويتها في الناتو، مستخدماً لغة وصفت بـ«المهينة»، ولكن بعد 10 سنوات على هذا المكتوب نفذت تركيا «عملية السلام» في قبرص.
في الثاني من حزيران/يونيو عام 1964 أعلنت الحكومة التركية نيتها القيام بعمل عسكري في قبرص لحماية القبارصة الأتراك، وبدأت تحضيرات عسكرية واسعة لهذه العملية، لكن سرعان ما تحركت الإدارة الأمريكية وفي الخامس من حزيران/يونيو أي بعد ثلاثة أيام فقط، أرسل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون مكتوباً موقعاً باسمه إلى الحكومة التركية.
وجاء في المكتوب أن الولايات المتحدة لن تقبل التدخل التركي من جانب واحد في جزيرة قبرص، وأنها لن تقبل على الإطلاق أن تحصل مواجهة بين تركيا واليونان العضوان في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وحذر المكتوب تركيا من استخدام الأسلحة الأمريكية في أي عملية عسكرية بقبرص، واستخدم المكتوب عبارات وتهديدات وصفت بـ«المهينة».
ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا المكتوب مخلداً في التاريخ تحت اسم «مكتوب جونسون» حيث اعتبر بمثابة علامة فارقة في تاريخ العلاقات التركية الأمريكية الحليفتان في «الناتو» حيث تعرضت تركيا عقب قيامها بعملية قبرص رغم التهديدات الأمريكية عام 1974 إلى عقوبات أمريكية واسعة وأغلقت أنقرة قاعدة إنجيرليك الجوية في وجه القوات الأمريكية. وكأن التاريخ يعيد نفسه، ففي حادثة مشابهة إلى حد كبير، وبعد أن استكملت تركيا استعداداتها لتنفيذ عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية شرقي نهر الفرات، أرسل ترامب مكتوبا موقعاً باسمه إلى أردوغان استخدم فيه اللغة نفسها، ولكن بإهانات وصفت بـ«الأقسى» من تلك التي تضمنها مكتوب جونسون.
وجاء في الرسالة التي نشرت نسخة منها: «فلنتوصل إلى اتفاق جيد!… أنت لا تريد أن تكون مسؤولا عن ذبح آلاف الأشخاص وأنا لا أريد أن أكون مسؤولا عن تدمير الاقتصاد التركي، وسأفعل ذلك»، مضيفاً: «عملت جاهدا على حل بعض مشاكلك. لا تخذل العالم. يمكنك إبرام اتفاق عظيم»، لافتاً إلى أن مظلوم كوباني عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية مستعد للتفاوض وتقديم بعض التنازلات. وقال: «سينظر إليك التاريخ باستحسان إذا قمت بذلك بالطريقة الصحيحة والإنسانية. وسينظر إليك إلى الأبد على أنك شيطان إذا لم تحدث أمور جيدة. لا تكن متصلبا. لا تكن أحمق»، وختم الرسالة بالقول إنه سيتصل لاحقاً به. وبعد أن كشف عن فحوى الرسالة، أكدت وسائل إعلام تركية مضمونها ونقلت عن مصادر دبلوماسية شرحاً لكيفية تعامل اردوغان معها.
وقالت المصادر إن أردوغان ألقى الرسالة في القمامة على الفور وأمر بإطلاق عملية «نبع السلام» شرقي نهر الفرات في التاسع من الشهر الجاري وهو اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة، معتبراً أن أفضل رد على تهديدات ترامب وإهاناته هو إطلاق العملية العسكرية واجبار الجيش الأمريكي على سحب قواته من أمام القوات الأمريكية.
وولد الكشف عن مضمون الرسالة ردود فعل غاضبة في الشارع التركي على الصعيدين الرسمي والشعبي، وطالبت العديد من أحزاب المعارضة التركية الرئاسة باتخاذ موقف ورد حاسم من الإدارة الأمريكية، وطالب باعتذار رسمي من واشنطن على الإهانات التي تضمنتها رسالة ترامب.
مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية اعتبر أنه «لا يحق لكائن من كان الإساءة لرئيس الجمهورية التركية رغم اختلافنا معه»، مشدداً على أنه يتوجب على تركيا أن ترد على إهانات ترامب، وطالب الإدارة الأمريكية بالاعتذار. كما صدر بيان آخر مشابه عن حزب الجيد المعارض. وشعبياً، تصدر وسم «مكتوب» موقع تويتر للتغريدات القصيرة، وكتبت عشرات آلاف التغريدات التي تطالب بالرد على المكتوب الأمريكي وعدم الخضوع للتهديدات ومواصلة عملية «نبع السلام» العسكرية حتى تحقيق أهدافها.