ذ. نورالدين فريش / باحث في القانون
ضرب العالم، لم يستثني من الدول إلا القليل، قتل الآلاف، هدم الاقتصادات العالمية الكبرى، رسم لنفسه صورة وحش مرعب جاء ليقضي على البشرية، إنه فيروس كورونا المستجد أو كوفيد 19، هذا الوباء القاتل الذي انتشر في العالم كانتشار النار في الهشيم.
والمغرب كغيره من دول العالم لم يسلم من هذه الجائحة، وإن سجلنا بكثير من الفخر التعامل الإيجابي للمملكة المغربية ملكا، مسؤولين وشعبا مع هذا الوباء القاتل، باتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية، بغية محاصرته والتحكم فيه، بدءا بإغلاق المجال الجوي، إلى خلق صندوق خاص لمواجهة هذه الجائحة، أعطى مؤشرات قوية على تضامن المغاربة ومساهمتهم لمواجهة هذا السم القاتل، إلى إقرار حالة الطوارئ الصحية، ومنع التجوال إلا في حدود استثناءات ضيقة محصورة وبعد الموافقة وهي كالتالي:
- التنقل للعمل مرتبط بضرورة الحصول على شهادة مسلمة من المشغل أو السلطات المحلية؛
- التنقل للتسوق شريطة الحصول على شهادة تنقل استثنائية مسلمة من السلطات المحلية؛
- التنقل قصد العلاج أو من أجل شراء الأدوية شريطة الحصول على شهادة تنقل استثنائية مسلمة من السلطات المحلية؛
- التنقل لضرورة ملحة، وربطت هذا الأمر بضرورة الحصول على موافقة العون المكلف بالمراقبة.
هذه الإجراءات كان هدفها تفادي الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها دول كبرى لم تقوى على مواجهة الوباء رغم قوتها الاقتصادية، وقوة نظامها الصحي، وعلى سبيل المثال دولة ايطاليا التي سجلت أرقاما قياسية في عدد الوفيات والمصابين بفيروس كورونا.
وبتاريخ 21 مارس 2020 أقرت وزارة الداخلية المغربية بمنع استعمال وسائل النقل العمومية والخاصة بين المدن، باستثناء نقل البضائح، والتنقل لدواعي مهنية صرفة بعد الحصول على وثيقة تثبت هذا الأمر من السلطات والإدارات والمؤسسات التي ينتمي إليها المعني بالأمر، وهو إجراء محمود لتفادي انتقال العدوى بين مدن المملكة من جهة، ولمحاصرة الوباء من جهة ثانية.
لكن قد يتساءل البعض ما علاقة القانون بفيروس كورونا المستجد وثقافة الجهل؟، ليأتي الجواب صادما لي شخصيا ولكثير منا، هو أن هذا الوباء عرى أمور كثيرة، كشف عن جهل البعض في التعاطي مع هذا الوباء، كشف سوء نية البعض للركوب على موجه لأغراض لا يعلمها إلا هم، كشف أن سرعة تناقل الأخبار الزائفة أكثر من سرعة تناقل عدوى هذا الفيروس، كشف أن البعض لا يهمه سوى تحقيق “البوز” والأرباح، ولو على حساب صحة المغاربة، فقد اطلت علينا “مي نعيمة” ناطقة رسمية باسم الجهل، وأطل علينا البعض في مظاهرات ضد النظام الديكتاتوري “كورونا” مطالبين برحيله، مظاهرات كشفت الجهل الذي لازلنا نعيش فيه مع كامل الأسف فرغم أن الدولة بسلطاتها، وسائل الإعلام، المجتمع المدني بدلوا الكثير من الجهود لتوعية الناس بخطورة هذا الوباء، ورغم حالة الطوارئ الصحية، خرجت يومه السبت 21 مارس 2020 ليلا مظاهرات في مدن طنجة وفاس وسلا للشارع في تحد سافر لحالة الطوارئ، وفي انعدام تام للضمير الواعي، لحس المسؤولية اتجاه هذا الوطن، ولصحة مواطنيه، فبدل أن يجلسوا في البيوت اختاروا أن يكونوا فريسة لدعاة الجهل، خرجوا بجهل مؤلف غير مبالين بأن هذه التجمعات يمنعها القانون، وقد تكون مصدرا لانتشار سريع لعدوى هذا لفيروس…
إننا اليوم أما مفترق الطرق، أمام لحظة تاريخية لنحاصر هذا الوباء لنقضي عليه بسلوكاتنا والتزامنا، بحسنا الوطني، فالدولة لم تطالب أحدا بأكثر من لزوم بيته، فلا داعي لنكون سببا في نخر هذا المجتمع ونشر الفيروس بيننا لنصبح في خبر كان…
حقيقة، يحسب كثيرا للدولة ابتعادها عن منطق “العصا لمن عصا”، واتباعها للسبل السلمية مع المخالفين، وإن كانت عقلية الجهل رأت في ذلك ضعفا أو تساهلا، وما هو بذلك، بل فكر دولة ترى أنها تتعامل مع شعب واع مقدر لجسامة المرحلة، وفعلا أبان الشعب المغربي على رقي فكره والحالات المعزولة المتشبعة بفكر الجهل لا يقاس عليها…
إن الضرورة اليوم أصبحت تقتضي الردع والتدخل لوقف الجاهلين عند حدهم، وبات لزاما تطبيق مقتضيات الجنائي على المخالفين “مرضى الجهل”، اعتبارا لارتكابهم لجريمة العصيان…
فبالرجوع إلى الفصل 304 من القانون الجنائي المغربي فإنه: “يعتبر مرتكبا للعصيان من حرض عليه، سواء بخطب ألقيت في أمكنة أو اجتماعات عامة أو بواسطة ملصقات أو إعلانات أو منشورات أو كتابات.”
كما جاء في الفصل 305 من نفس القانون على أنه:” زيادة على العقوبات المشار إليها في الفصل السابق، فإنه يمكن أن يحكم على المحرضين أو المتزعمين للعصيان بالمنع من الإقامة مدة أدناها خمس سنوات وأقصاها عشر.”، ومن دعوا إلى هذه التجمعات يدخلون في عداد المحرضين على العصيان، ويوجدون في مخالفة مع القانون، فتوجب عدم التساهل معهم.
وحيث أن حالة الطوارئ الصحية ومنع التجوال إلا للضرورة القصوى، أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها، فإن المخالفين تطبق عليهم مقتضيات الفصل 308 من القانون الجنائي التي تنص على أن: ” كل من قاوم تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي درهم ولا تتجاوز ربع مبلغ التعويضات.
أما الأشخاص الذين يعترضون على تنفيذ هذه الأشغال بواسطة التجمهر أو التهديد أو العنف فإنهم يعاقبون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة المشار إليها في الفقرة السالفة.”، وبالتالي فلا اجتهاد مع وجود نص، وتبقى النصوص السالفة الذكر واجبة التطبيق في انتظار اتمام إجراءات المصادقة ودخول المرسوم الجديد المتعلق بأحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها حيز التطبيق.
وجدير بالذكر أن مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 22 مارس 2020 صادق على مشرع مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والذي نص من خلال المادة الرابعة في فقرتها الثانية على أنه: “…
يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد…”،
وختاما، وكمغاربة، كأباء، كأزواج، كإخوة، كأبناء، كمواطنين ننتمي لهذا الوطن الحبيب، هدفنا حماية صحتنا جميعا، حماية مغربنا، يجب أن ندرك حجم خطورة المرحلة القادمة، وأن نصنع لأنفسنا ولغيرنا المناعة اللازمة لمجابهة فيروس كورونا، مناعة قوامها، الحرص على النظافة الدائمة، واتباع تعليمات السلطات، وملازمة بيوتنا، وكما قال وزير الصحة الصيني: يجب” أن تتعامل مع أي شخص على أنه مصاب، وتتصرف أنت مع كل الأشخاص على أنك مصاب“، هذه أفضل طريقة للوقاية من هذا الفيروس القاتل، فنحن من نملك القرار إما أن نخرج من هذه المرحلة سالمين، لا فاقدين ولا مفقودين أو نسير بأنفسنا إلى الهاوية.
حفظنا وحفظكم الله، وحفظنا بلدنا الحبيب من شر هذا الوباء، فالزموا بيوتكم من أجل أولادكم وبلادكم…