محمد حفيضي / صحفي مغربي
بلاد صغيرة المساحة، لكنها كبيرة بالجود والعطاء وكثرة الإمكانيات..
غنية بالكفاءات ومؤثرة بالمبادرات..
تسعى لتحقيق الأفضل، وتشتغل بجد لبلوغ الهدف..
بلاد تنافس على الصدارة، وتبهر دول العالم بتطورها الدائم..
بلاد تعرضت للخيانة من أقرب المقربين، وحاول طعنها أصدقاء وجيران الأمس القريب..
وضعها الحالي تترجمه العبارة القائلة : “احذر من عدوك مرة واحذر من صديقك ألف مرة..”
إنها قطر..التي تعيش تحت حصار دول الجوار لأزيد من 1000 يوم..
حصار لم يأخذ بعين الاعتبار تاريخ العلاقات، ولم يستحضر البعد الإنساني، وقطع صلة الأرحام بين شعوب تجمعها نفس الثقافات والعادات..
حاولوا إضعافها وتركيعها، وحاولوا انتزاع مكانتها وسرقة أحلامها وطموحاتها، لكنها ضاعفت قوتها وازدادت شموخا بإنجازاتها وأخلاقها..
وظلت صامدة بتضامن أبناء شعبها وتشبُث المقيمين بأرضها..
في زمن كورونا.. انعزلت البلدان عن بعضها وأغلقت الحدود في كل مكان، وأصبح الكل يفكر في مصلحته الخاصة الضيقة..
احتلت الأنانية فكر الجميع، وخيم الجمود والصمت على العلاقات الدبلوماسية..
وكنموذج حي للتأكيد على كلامنا، نجد إيطاليا في المقدمة…دولة نالت حصتها من أنانية العالم في ظل هذه الأزمة، بعد أن غاب عنها دعم ومساندة الاتحاد الأوروبي، فوجدت نفسها وحيدة في مواجهة المصير، لا من معين يشفي الغليل، ولا من مواساة تخفف آلام بلاد الروم..
في منطقة الخليج..الوضع تجاوز الحدود ووصل لدرجةِ تنكر بعض الدول لمواطنيها العالقين في مطارات العالم..
أحدثكم عن البحرين، التي تحولت لحديث الألسنة في كل مكان..
بعد أن رفضت إجلاء مواطنيها العائدين من إيران والعالقين في الدوحة..
في عز أزمة الحوار وشبح الحصار وحرب الوباء، بادرت قطر إلى تقديم المساعدة، وأخبرت البحرين بأنها ستتكفل مجانا بنقل 31 مواطنا عبر طائرة خاصة إلى مطار المنامة..
موقف إنساني قطري استقبلته البحرين بالرفض التام، ويا ليتها توقفت عند هذا الحد، بل زادت الطين بلة برد أساء لنفسها ولشعبها، قبل أن يسيء لقطر..
إذ طالبت البحرين من السلطات القطرية التوقف عن التدخل في خطة الإجلاء والتأثير على إجراءاتها وترتيباتها..
جواب بحريني لا يليق بحجم مبادرة إنسانية رائعة، كان من الأجدر التفاعل معها إيجابيا، والرد عليها بالشكر الجزيل لبلاد العز والشموخ في زمن قتلت فيه الكورونا الحس الإنساني والتضامني..
يبدو أن الرد على مبادرة إنسانية دُوِّن بقلم الحقد الدفين، فأظهر أصحابه في صورة الصغار، ليبقى الكبير كبيرا بأخلاقه ومراعاته للإنسانية وحقوق المستضعفين..
هكذا إذن، أبدعت قطر مرة أخرى في تسجيل هدف الانتصار الأخلاقي في شباك دول الجوار، بعد أن رحبت بالمواطنين البحرينيين فوق أرضها ووضعتهم في أفخم الفنادق، ليستفيدوا من الحجر الصحي والرعاية الطبية كإجراء احترازي..
كما أعلن مكتب الاتصال الحكومي القطري عن كون الدوحة قادرة على استقبالهم لأطول مدة وتقديم الرعاية اللازمة، إذا ما استمرت المنامة في رفض استقبالهم..
في آخر لحظة تراجعت البحرين أمام الحكمة القطرية والضغط الإعلامي، وأعادت ترتيب أوراقها لحفظ ماء الوجه وإصلاح ما تم إفساده، فأعادت مواطنيها عن طريق طائرة إيرانية استأجرتها لتنقل المواطنين البحرينيين من مطار الدوحة إلى مطار المنامة..
ما قامت به البحرين، يصدق عليه مثل جحا القائل : “وين أذنك يا جحا ؟ ” ويقال هذا المثل للشخص الذي يريد أن يسلك طريقا بعيدا، بالرغم من وجود طريق أسهل يوصل إلى نفس الهدف..
خسرت البحرين في اختبار سهل وبسيط، وفازت قطر كعادتها على الجميع، بعد تقديمها لدروس جديدة في الإنسانية وقيم التضامن والتآزر مع الجيران والمقربين..